الروح البشرية: اللقاء ما وراء المساحة المريحة

بقلم: باربرة سوفر

القدس - عَنَى قبولي المشاركة في ورشة عمل برعاية شبكة المرأة عبر الأديان خروجي من مساحتي المريحة. كان يتوجب عليّ السفر إلى الأردن لأكون واحدة من خمس يهوديات يجتمعن مع خمس مسلمات وخمس مسيحيات، جميعهن من دول الشرق الأوسط.

رغم طبيعتي التي يتأصّل فيها الميل إلى الثرثرة، تراجعت أية رغبة لدي بالمشاركة في ما يسمى بالحوار خلال سنوات الانتفاضة. تركَتْني معرفتي الشخصية عن كثب بالإرهاب ومهرجانات تكريم ضحايا بُرجيّ نيويورك واستطلاعات الفلسطينيين أنفسهم التي أكدت على شعبية تفجير الحافلات، بعيدة عن الحوار، إن لم يكن غير قادرة على الكلام.

وافقْت على المشاركة لأسباب ثلاثة: أولاً، جاءت الدعوة بعد أن أجريت مقابلة يمكن وصفها "الوطنية التي تأخذ منحى الشوفينية المتطرفة"، تجاه ناشط/كاتب في مجال السلام. كان منظمو المقابلة يعرفون وجهات نظري. ثانياً، كانت المنظِّمة المحلية هي إليانا روزغان، وهي امرأة من القدس أصيب ابنها بجروح خطيرة في هجمة إرهابية في شارع بن يهودا قبل عشر سنوات. إذا كانت هي سوف تشارك فكيف لي أن أرفض؟ والسبب الثالث كان وعوداً اتخذتها بمناسبة رأس السنة العبرية ببدايات جديدة.

كان هدفي الشخصي المتواضع لورشة العمل الحصول على نظرة، ولو صغيرة جديدة إلى ما وراء صورة النهاية الحتمية لكل حوار سياسي خلال السنوات الخمس الماضية. كذلك أستطيع أن أضيف أنني لم أقم بزيارة الأردن أو أي بلد عربي آخر من قبل.

عبرنا نحن المشارِكات الإسرائيليات براً عبر جسر الشيخ حسين قرب بيسان، مع مئات السواح من قرى الجليل. نصحني شاب من سخنين فيما يتعلّق بالمناطق التي يجب أن أزورها، وأسّر لي أنه وأصدقاؤه جرى اكتشافهم كإسرائيليين بشكل فوري بسبب لبسهم الجينز وأسلوب شعرهم ولهجتهم العربية وأسلوب تصرفهم.

بعد رحلة متعرجة عبر ريف الأردن، وصلنا إلى فندق الفنار بالاس المتواضع في عمان. لم أفكر في يوم من الأيام بمشاركة رفيقة في الغرفة, رغم أنني سمعت واحدة من المشاركات الإسرائيليات تذكر أنها أصرّت على غرفة وحدها. رغم ذلك استغربت عندما فتحت باب الغرفة ووجدت امرأة أخرى في أحد الأسّرة المزدوجة التي تفصل بينها طاولة صغيرة. قمنا بتعريف أنفسنا. كانت من الخليل – الخليل المسلمة. تحدَّث عن ترك المساحة المريحة الخاصة بك!

أدركت خلال دقائق أنني محظوظة. كانت زميلتي في الغرفة ذكية مهذبة لطيفة ذات عقلية منفتحة وإحساس جيد بالفكاهة. كنا دقيقتان في المواعيد، نحلل الأمور جيداً، وشكلنا نحن المقيمتان في غرفة رقم 413 روح جماعة من نوع خاص. قامت زميلتي في الغرفة، التي تعمل في المجال التربوي في الخليل والولايات المتحدة، بإجراء الترجمة الحساسة الضرورية عندما احتاج الأمر ذلك.

بعد اليوم الأول من جلسات التعارف التقليدية، حان وقت النوم. وجدََت زميلتي في الغرفة التي تتحدث العربية محطة التلفزة الوحيدة الناطقة بالإنجليزية في الفندق. خلدْنا إلى النوم ونحن نشاهد فيلماً قديماً لجيمس بوند.

افترضت أنه رغم أن هذه ورشة عمل تركز على الدين، يرعاها مانحون بصورة شخصية من الولايات المتحدة، فسوف يتوجب علي في وقت ما أن ألقي دفاعاً منمّقاً عن الدولة اليهودية. كنت قد حضرت وأنا مستعدة. قد يكون الفلسطينيون قد أتوا بنفس العقلية أو ما يماثلها. رغم أن ذلك قد يبدو غريباً، فباستثناء امرأة واحدة أصرت على تعريف نفسها بأنها "لاجئة"، لم يبرز الوضع السياسي إلى الواجهة في أية من الجلسات الاجتماعية. افترضنا أننا نعرف وجهات نظر بعضنا بعضاً.

لم يكن الأمر أن موضوع اجتماعنا كان بسيطاً. ولكن حتى عندما برزت أسئلة مثل "ما هي عناصر دينك التي تؤدي إلى التسامح/النزاع؟" لم نستسلم للاتهامات النارية السهلة والاعتيادية. كانت الاجتماعات داخل مجموعاتنا الدينية حول كيفية طرح معتقداتنا الدينية هي الأكثر حدة. على سبيل المثال، كانت عضوتان في مجموعتنا فقط من المتدينات اللواتي يمارسن الشعائر الدينية.

كانت النساء من صاحبات الأعمال، محاميات وخريجات الدراسات العليا ومعلمات وعضوة سابقة في الكنيست ومرشحة سياسية من الأردن. لم تتمكن المشارِكات العراقيات من الحضور لأن المطار هناك كان مغلقاً. لقد خاطرت عدة نساء للحضور، (لذلك لن أذكر أسماءاً). لم تقابل النساء الأردنيات والمصريات يهوديات من قبل، لذا استمتعت بكوني محط اهتمام.

تكلمت هؤلاء منا اللواتي يلبسن غطاء الرأس، يهوديات ومسلمات، عن ذلك القرار، وكيف يؤثر على منظور الآخرين تجاههن. قالت منسّقة ورشة العمل الأردنية، وهي محجبة، أن شركة الاستشارات في مجال الأعمال التي تملكها تفقد حسابات عندما يراها الزبائن. أحضرت مسلمتان سجادتان صلاة وعرضتا كيف يقمن بالصلاة يومياً وتكلمتا عن ممارسة الشعائر الدينية في شهر رمضان.

عرضنا نحن النساء اليهوديات حتى اللواتي لا يمارسن الشعائر الدينية، مساء الجمعة كيفية تناول طعام السبت. أعد مدير المطعم غطاء طاولة أبيض اللون وزهور اصطناعية وأقداح طويلة القاعدة. كنت قد أحضرت معي خبزاً ونبيذاً من القدس. أحضَرَت زميلة أخرى شموعاً وعصير عنب وتفاح وعسل لتشرح عن العطلة في اليوم التالي. شرحت معنى إيقاد الشموع، ورمزية المائدة، والأمور التي لا يمكن القيام بها يوم السبت، والأمور التي يمكن أن يفوز بها المرء. كان موضوع ورشة العمل التي استمرت أسبوعاً في الأردن أمراً يسهل الحديث عنه: "اختر الحياة".

كانت المشاركة في غرفة مع يهودية تمارس شعائرها الدينية يوم السبت تجربة جديدة لزميلتي في الغرفة. كانت حساسة تجاه احتياجاتي ليوم السبت. لم يعد هناك جيمس بوند على التلفزيون. بدلاً من ذلك تكلمنا حتى ساعة متأخرة من الليل. تكلمت عن الانتفاضة. اتفقنا على أن أسلحة أحمدي نجاد النووية تشكّل أكبر تهديد لكلينا. في فترة ما من أمسية الجمعة تلك شهدت لمحة من الأمل الذي أتيت لأجله. قمنا بإعداد خطة سلام وخلدنا إلى نوم ليلة سبت متفائلة.

نرغب باللقاء مرة أخرى. في أريحا، اقترحت زميلتي. ولكنني لا أستطيع دخول أريحا كيهودية. القدس؟ لا تستطيع هي القدوم دون تصريح خاص. أخيراً اتفقنا على منطقة محتملة: شارع وحيد يستطيع العرب واليهود الوصول إليه. إنه في الخليل، بالقرب من الحرم الإبراهيمي الشريف حيث يرقد أجدادنا الذين نتشارك بهم. ليس هناك مكان نجلس فيه، ولكننا لا نبحث عن "مساحة مريحة".