Mideastweb: Middle East

 تاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الجزء الثاني

   .    MidEastWeb in English

"التاريخ أسطورة متفق عليها" ـ نابليون بونابرت

"ليس الماضي ميتاً؛ بل هو ليس ماضياً أيضاً" ـ ويليام فوكنر

"لم يسبق أن اتفق مؤرخان على ما حدث؛ والمشكلة هي أن كل منهما يرى نفسه صادقاً" ـ هاري ترومان

ملاحظة تمهيدية

 هذه هي الصفحة الثانية من "شبكة تاريخ الشرق الأوسط" عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وهي تغطي التاريخ المفصل منذ اتفاقيات أوسلو. أما التاريخ المبكر لفلسطين وإسرائيل، منذ قديم الزمان حتى اتفاقيات أوسلو فهو موجود في: "تاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الجزء الأول". ومن المهم قراءة الجزء الأول بغية فهم كيفية نشوء النزاع وتطوره ومعرفة مطالب كل طرف فيما يخص الأرض. لم يبدأ النزاع الإسرائيلي العربي أو الإسرائيلي الفلسطيني بعد اتفاقيات أوسلو أو في عام 1967 أو 1948. لم يأتِ السكان العرب إلى فلسطين بعد الاستيطان الإسرائيلي كما يتخيل بعض الصهاينة اليمينيين. يعود وجود المسلمين والعرب في هذه الأرض إلى أكثر من ألف عام؛ ولهم فيها تاريخ طويل متنوع. أما مطلب اليهود في الأرض فهو لا يقوم على حقوق تاريخية بل على وجود متواصل منذ العصور القديمة، إضافةً إلى الجهود والاستثمارات المكثفة من جانب الحركة الصهيونية من أجل تطوير هذه الأرض منذ أواخر القرن التاسع عشر. وأما المشكلات التي يمثلها اللاجئون الفلسطينيون وخطر الإرهاب الحقيقي والمطالبات المتضاربة ذات الأساس المتين بالقدس، وكذلك حقوق كل طرف من الطرفين، فهي مما لا يقبل الإهمال كما يحاول أنصار كل فريق من الفريقين. ليس إظهار أحد الطرفين في صورة شيطانية مما يساعدك على فهم النزاع أو يقود إلى حله. كما لا يمكن أيضاً تجاهل المطالب كلها وإنكارها. فإذا استرجعنا الماضي نجد أن اتفاقيات أوسلو (إعلان أوسلو للمبادئ واتفاقية أوسلو المرحلية) كانت محاولات لفعل ذلك: تأجيل المسائل الشائكة إلى وقت لاحق. إننا الآن في ذلك الوقت اللاحق. ونحن ندفع الآن ثمن ذلك التأجيل...

لعل التاريخ والتصورات المختلفة عنه من أهم العوامل في الصراع العربي الإسرائيلي إذ تُستخدم روايات التاريخ وتفسيراته بطرق مختلفة لتبرير مطالبات أو لنفي ادعاءات، أو لذم العدو وتمجيد "ما يخصنا". تمت كتابة  عشرات التقارير؛ لكن غاية معظم ما نشر منها على الإنترنت هي الإقناع لا نقل المعلومات.

يهدف هذا العرض الموجز غاية الإيجاز إلى تقديم نظرةٍ متوازنة وتعريفٍ بالتاريخ الفلسطيني والإسرائيلي وبتاريخ هذا الصراع. فمن المستبعد أن أحداً كتب (أو سيكتب) بحثاً "موضوعياً" دقيقاً يقبله الجميع؛ ولكن الأمل معقود على أن تقدم هذه الوثيقة مدخلاً منصفاً إلى هذا الموضوع.

سيكون من الضلالة أن نحاول استخدام هذا التسجيل التاريخي لتحديد "الجانب المحق"، رغم أن الكثير من "كتب التاريخ" قد كتبها بالتأكيد المحازبون لهذا الجانب أو ذاك وفقاً لأهداف مسبقة. إن المهتمين بالدفاع عن وجهة نظرهم، وفي جمع "النقاط" لمصلحتهم، لا يمكنهم التوصل إلى الحقيقة إلا مصادفةً. وإذا ما توصلوا إلى حقيقة من الحقائق ثم وجدوا أنها لا تلائمهم فهم يسارعون إلى دفنها من جديد. ما من هدف لهذا السرد التاريخي إلا نقل المعلومات، لا أكثر ولا أقل. ثمة وثيقتان منفصلتان توضحان الكيفية التي أعتقد أننا يجب أن نجمع الحقائق ونعرف الصراع وفقاً لها؛ وهما توضحان أهمية الكلمات في كتابة تاريخ الشرق الأوسط، وفي فهمه أيضاً. وثمة عرض لتسلسل زمني لكثير من تفاصيل الأحداث التي لم تناقش في هذا التاريخ، وثمة وثائق مرجعية تقدم مزيداً من المعلومات. سيشير الدارسون الجادون إلى مراجع من أجل مزيد من المعلومات ووجهات النظر المختلفة، وسيبحثون دائماً عن المصدر الرئيسي من أجل التحقق مما إذا كان هذا الزعم أو ذاك قد اعتمد على تلك الوثائق أو على مقتطفات منها فحسب.

التاريخ المبكر: تاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الجزء الثاني

عملية السلام في أوسلو

 في أعقاب حرب الخليج، جعل كل من الضغط الأمريكي وتواصل تفكك الاتحاد السوفييتي والميول المواتية في الرأي العام العالمي من الدعوة إلى المفاوضات الرامية إلى تسوية القضية الفلسطينية أمراً ممكناً. وفي عامي 1993 و1995 وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إعلان أوسلو للمبادئ واتفاقية أوسلو المرحلية. وهذا ما سمح بإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية التي يفترض أن تكون كياناً مؤقتاً يملك صلاحية التفاوض مع إسرائيل وحكم المناطق التي انسحبت منها إسرائيل في الضفة الغربية وغزة. ثم وقع كل من الأردن وإسرائيل معاهدة سلام في عام 1994.

أفضت العملية السلمية مع الفلسطينيين إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة ومعظم المدن والبلدان في الضفة الغربية في أوائل 1996. وفي كانون الثاني 1996 قام فلسطينيو قطاع غزة والمناطق الواقعة تحت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بانتخاب مجلس تشريعي هيمنت فيه حركة فتح فصار ياسر عرفات رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية التي تدير هذه المناطق. ومع انسحاب الإسرائيليين انتقلت السلطة فيها إلى الفلسطينيين. إن زهاء 97% من الفلسطينيين في هذه المناطق خاضعون اسمياً للحكم الفلسطيني، لكن المساحة التي تديرها السلطة الوطنية الفلسطينية تعادل نحو 8% من الأرض. انطلقت إسرائيل في برنامج استيطاني متسارع وبنت آلاف الوحدات السكنية في الضفة الغربية وضاعفت عدد المستوطنين فيها بحلول عام 2004.

تواصلت الهجمات ضد المستوطنين رغم موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على نبذ العنف بموجب إعلان المبادئ في أوسلو. وقد وقعت حادثة مشؤومة، حتى قبل إعلان المبادئ، في 16 نيسان 1993 عندما أقدم انتحاري من حماس على تفجير سيارة مفخخة في ميهولا بالضفة الغربية فقتل وقتل معه إسرائيلي واحد. وفي 25 شباط 1994 فتح مستوطن يميني ساخط اسمه باروخ غولدشتاين النار على المصلين في مسجد إبراهيم (كهف البطاركة) في الخليل فقتل ثلاثين مصلياً ثم قتل نفسه. وعلى سبيل الانتقام، نفذت حماس عدداً من الهجمات الانتحارية في إسرائيل كان أولها في نيسان 1994. بدأت شعبية عملية السلام تتراجع في إسرائيل. وفي 5 تشرين الثاني 1995 اغتيل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين على يد متعصب يميني شاب اسمه إيغال عامير، وذلك أثناء مسيرة تدعو إلى السلام. حل محل إسحاق رابين شمعون بيريز الذي أشرف على توقيع اتفاقية أوسلو. لكن تزايد تفجيرات حماس الانتحارية في ربيع 1996 وفشل استراتيجية الحكومة في مواجهتها أديا إلى خسارة بيريز الانتخابات في أيار 1996 في مواجهة رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو الذي كان من معارضي عملية أوسلو. قرر نتنياهو إتمام مشروع سياحي تحت الأرض كان مثار جدل في القدس، وذلك عن طريق فتح بوابة تصل بين نفقين. وقد أشاعت مصادر عربية خبراً كاذباً مفاده أن هذه البوابة تعرض أساسات المسجد الأقصى للخطر. وهذا ما سبب شغباً استمر عدة أيام وكانت حصيلته إصاباتٌ كثيرة.

لكن إسرائيل، رغم معارضة نتنياهو عملية أوسلو، وقعت مع السلطة الوطنية الفلسطينية في كانون الثاني 1997 اتفاقية انتقالية بشأن مدينة الخليل. انسحب جيش الدفاع الإسرائيلي من معظم المدينة لكنه بقي في جيبٍ استيطاني يضم زهاء 500 مستوطن يعيشون وسط المدينة العربية تحت حماية الجيش الإسرائيلي. ثم نتجت عن مفاوضات واي ريفر في تشرين الأول 1998 اتفاقيات تضمنت مزيداً من الانسحابات الإسرائيلية إلى جانب تجديد الالتزام الفلسطيني بمنع الإرهاب والتحريض. لكن أكثر أحكام هذه الاتفاقيات لم يطبق من قبل الفلسطينيين، ولم ينسحب الإسرائيليون كما كان مقرراً بموجب اتفاقيات واي ريفر عندما كان نتنياهو في رئاسة الحكومة. وفي أيار 1999 خسر نتنياهو الانتخابات فغادر منصبه وتولى رئاسة الوزراء رئيس حزب العمل إيهود باراك. واصل باراك برامج توسيع الاستيطان، لكنه تعهد بمواصلة المفاوضات السلمية بنشاط. حاول باراك في البداية تجديد المفاوضات مع سورية، لكن الرئيس السوري حافظ الأسد رفض عرضاً قدم إليه من خلال الرئيس الأمريكي كلينتون؛ وكان من شأن هذا العرض أن يعطي سورية الشطر الأكبر من مرتفعات الجولان من غير إعطائها منفذاً على بحيرة طبريا.

 تحول اهتمام باراك إلى الفلسطينيين. نفذت إسرائيل الانسحابات العسكرية المنصوص عليها في اتفاقيات واي ريفر، وبدأت المفاوضات على التسوية النهائية. عرض باراك إعادة منطقة أبو ديس، وهي إحدى ضواحي القدس، لتكون عاصمةً فلسطينية. لكن الحكومة الإسرائيلية سحبت هذا العرض في أعقاب العنف الذي اندلع أواسط أيار 2000.

أحداث لاحقة

الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)

History of Israeli-Palestinian Conflict: Map of Camp David Proposals, July 2000 انتهت مفاوضات الحل النهائي في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية إلى حالة استعصاء في تموز 2000. أصر الفلسطينيون على حق اللاجئين في العودة إلى إسرائيل، وهذا ما من شأنه إيجاد أغلبية عربية فيها. وأصر الإسرائيليون على ضم أجزاء رئيسية من المناطق الفلسطينية وعلى الإبقاء على القسم الأكبر من المستوطنات. ولم يعرضوا إلا صيغة محدودة للدولة الفلسطينية. يزعم الفلسطينيون أن العروض التي تم تقديمها في كامب ديفيد لا تتضمن إلا كانتونات أو "مناطق عزل" تتشكل الدولة الفلسطينية منها. والظاهر أن تلك هي السمة التي ميزت المقترحات الإسرائيلية الأولى. لكن دينيس روس قدم في كتابه "السلام المفقود" الصادر عام 2004 خريطةً يفترض أنها تعكس الاقتراح التوفيقي الذي طرحه الأمريكيون في كامب ديفيد، وهي تشمل زهاء 91% من أراضي الضفة الغربية. وقد وافق الطرفان على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.

انفجر العنف الفلسطيني في 28 أيلول 2000، وقد انطلقت شرارته بفعل زيارة آرييل شارون إلى جبل الهيكل في القدس. وهذا الموقع الذي اسمه "الحرم الشريف" في اللغة العربية يضم أيضاً المسجد الأقصى المقدس عند المسلمين. وسرت شائعاتٌ كاذبة تقول إن شارون دخل المسجد فساهمت في إذكاء لهيب الاضطرابات. دعت الولايات المتحدة إلى مؤتمر قمة في شرم الشيخ في شهر تشرين الأول من أجل إنهاء العنف. تعهد الطرفان بإنهاء حمام الدم وبالعودة إلى التفاوض. وقد اتفق في المؤتمر أيضاً على تشكيل لجنة تحقيق بقيادة أمريكية للتقصي عن أسباب العنف وتقديم توصياتها إلى الأمم المتحدة. وهذا ما أنتج تقرير ميتشل في نهاية المطاف. لكن القادة العرب وياسر عرفات التقوا بعد ذلك بفترة وجيزة في قمة عربية استثنائية في القاهرة وأصدروا إعلاناً نارياً يحيي الانتفاضة ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية بدلاً من اللجنة التي تم الاتفاق عليها في شرم الشيخ. وبعد نحو أسبوعين جاءت نهاية الهدنة بفعل تفجير انتحاري في القدس.

بات الوقت ضيقاً أمام المفاوضات مع مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك انتخابات وشيكة ومع إتمام الرئيس الأمريكية كلينتون فترة ولايته الرئاسية. فشلت المفاوضات التي جرت في واشنطن في كانون الأول 2000 في الوصول إلى أي اتفاق. طرح الرئيس كلينتون مقترحات لجسر الهوة بين الطرفين وطلب موافقة الطرفين عليها بحلول 27 كانون الأول. لقد قام كثيرون بالتعتيم على النتائج، لكن المفاوض الأمريكي الرئيسي دينيس روس كان صريحاً واضحاً في مذكراته (دينيس روس، "السلام المفقود"، 2004، ص: 753 - 755).

تقول الخلاصة التي قدمها روس (وكذلك النسخة المنشورة من المقترحات الرامية إلى جسر الهوة) إن اقتراح كلينتون منحMap of Clinton Bridging Proposals, December, 2000 الفلسطينيين نحو 97% من أراضي الضفة الغربية إضافة إلى السيادة على مجالهم الجوي. أما اللاجئون فلا يستطيعون العودة إلى إسرائيل من غير موافقة إسرائيلية. وترابط قوة دولية في وادي الأردن ست سنوات فتحل محل جيش الدفاع الإسرائيلي وتكون المناطق المجاورة للقدس والحرم الشريف (جبل الهيكل) ضمن الدولة الفلسطينية. وقد قال سفير السعودية الأمير بندر بن سلطان "إذا لم يوافق عرفات على ما هو مطروح الآن فلن تكون هذه مأساة بل جريمة". (روس، "السلام المفقود"، 2004، ص: 748).

اجتمعت الحكومة الإسرائيلية في 27 كانون الأول ووافقت على اقتراحات كلينتون مع بعض التحفظات التي قال روس إنها "ضمن الحدود المقبولة". أما الفلسطينيون فلم يقدموا إجابةً. مر الموعد المضروب ولم يأت الرد النهائي الفلسطيني. يقول روس إنه قال لأبي العلاء (أحمد قريع) في 29 كانون الأول: "سجل كلماتي. ستنفض [الولايات المتحدة] يدها من الأمر، وسيكون ذلك في وقت لا يعود فيه باراك أو آمنون أو شلومو موجودين بل في وقت يصبح فيه شارون رئيساً للوزراء. سوف ينتخب شارون بكل تأكيد إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. وستنخفض الـ 97% إلى 40 – 45%. وستخسرون فرصة إقامة عاصمتكم في القدس الشرقية. ولن يترك جيش الدفاع الإسرائيلي وادي الأردن وسيكون حق اللاجئين غير المقيد في العودة إلى دولتكم قد ذهب أدراج الرياح".

أجابه أبو العلاء: "أخشى أن يتطلب الأمر خمسين سنة أخرى لتسوية هذا الأمر".

لقد أورد روس الخريطة المبينة في كتابه "السلام المفقود". وهي تبين الحدود التقريبية للدولة الفلسطينية بموجب اقتراح كلينتون. تحذف الأراضي التي سيتخلى عنها الإسرائيليون للدولة الفلسطينية.

وفي حفل عشاء أقيم في تشرين الثاني 2005 في ذكرى إسحاق رابين قال الرئيس كلينتون أن الرئيس ياسر عرفات ارتكب "خطيئة تاريخية جسيمة" عندما رفض تلك الشروط مسبباً انهيار عملية السلام. (هاآرتس، 14 تشرين الثاني 2005).

لكن المفاوضين الفلسطينيين يقدمون رواية مختلفة. ففي 13 تشرين الثاني 2005 نقل المركز الإعلامي الدولي للسلطة الفلسطينية عن وزير الإعلام الفلسطيني نبيل شعث الكلمات التالية في ذكرى وفاة ياسر عرفات:

"لقد قال أيضاً إن إسرائيل لا تريد أبداً أن تصل إلى الحل النهائي خلال المرحلة الثانية من مفاوضات كامب ديفيد، وهذا ما أسكت الشائعات التي تقول إن إسرائيل عرضت على الفلسطينيين 97% من الضفة الغربية و10% من وادي الأردن".

وتابع الوزير يقول: "وأما كل ما قيل عن أن إسرائيل قدمت إلى الفلسطينيين تنازلات كبيرة فهو غير صحيح". وأكد أن إسرائيل رفضت إعادة القدس إلى الفلسطينيين، بل هي فوق ذلك مصرة على ضم الكتل الاستيطانية إلى مدينة القدس.

لقد أوضح الوزير شعث أن هذه النقطة هي ما أوصل مفاوضات كامب ديفيد الثانية إلى حالة استعصاء.

وأضاف الوزير أن ما اقترحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك تقديمه لم يكن إلا إعطاء عرفات مقراً رئاسياً في مدينة القدس القديمة؛ لكن الرئيس الراحل رفض هذا الاقتراح رفضاً قاطعاً.

لكن الفلسطينيين لم يعترضوا إطلاقاً على النسخة المنشورة من مقترحات الرئيس كلينتون لجسر الهوة. رغم أن من الواضح فيها أن الفلسطينيين سينالون السيادة في القدس الشرقية العربية بما فيها حرم الشريف (جبل الهيكل).

وفي مفاوضات اللحظة الأخيرة التي جرت في طابا المصرية بين 21 و27 كانون الثاني 2001 تحت رعايةٍ أوروبية ومصرية فشل الجانبان في التوصل إلى تسوية رغم تقديم الإسرائيليين مزيداً من التنازلات. ورغم اتفاق الجانبين على إعلان مشترك يقول إنهما اقتربا من الاتفاق اقتراباً لا سابق له فإن عدم الاتفاق الملموس بشأن موضوع اللاجئين وخرائط الاستيطان النهائية ظل قائماً. قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك المفاوضات يوم 28 كانون الثاني 2001 وعلقها حتى ما بعد الانتخابات. كان باراك يأمل التوصل إلى صفقة يستطيع تقديمها إلى الجمهور الإسرائيلي، وقد أصابه الغضب وخيبة الأمل لعدم التوصل إليها. لقد انتهت المفاوضات لأن باراك الذي دفع العملية السلمية إلى الأمام خسر الانتخابات في بداية شهر شباط وحل محله رئيس الحكومة اليميني آرييل شارون.

لم يجر فعلياً خلال المفاوضات تقديم أي خرائط رسمية إلى الجانبين، أو من قبل الجانبين. وبعد فشل المفاوضات واصل الفلسطينيون الزعم بأن إسرائيل لم تعرض عليهم إلا "معازل" في الضفة الغربية. ولم تنشر الحكومة الإسرائيلية أي خرائط. أما دينيس روس الذي ترأس الفريق الأمريكي المفاوض فقد لخص المقترحات التي قدمتها الولايات المتحدة في الخرائط المبينة أعلاه. وقامت أيضاً كل من مجموعة غوش شالوم ومؤسسة السلام في الشرق الأوسط بنشر خريطة لهذا العرض الذي قدمته حكومة باراك في طابا. لقد كانت مسألة اللاجئين أحد الأسئلة الرئيسية البارزة. كان الرئيس كلينتون يظن أن المسألة لا تتعدى فوارق في الصياغة بين الطرحين الإسرائيلي والفلسطيني. لقد دعت اقتراحاته الرامية إلى جسر الهوة إلى السماح للفلسطينيين بالعودة من الخارج إلى الدولة الفلسطينية. ولا يكون بوسعهم أن يعودوا إلى إسرائيل إلا بموافقة الحكومة الإسرائيلية. لكن الاقتراح الفلسطيني في طابا دعا إلى عودة نهائية لجميع اللاجئين إلى إسرائيل. لكن هذا الاقتراح ما كان مقبولاً لدى الإسرائيليين لأن من شأن أن يخلق أغلبية عربية فيها وأن يضع نهاية لممارسة اليهود حق تقرير المصير.

تواصل العنف في عامي 2001 و2002 رغم محاولات لجنة ميتشل وغيرها من أجل استعادة الهدوء وقد كان للهجمات الإرهابية التي استهدفت مركز التجارة العالمية في الولايات المتحدة يوم 11 أيلول 2001 آثارٌ وبيلة مباشرة على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. فمن جهةٍ أولى حاولت البلدان العربية والإسلامية الاستفادة من الحاجة إلى تعاونها في الحرب على الإرهاب بغية انتزاع تنازلات في صالح الفلسطينيين. ومن جهةٍ ثانية، بدأ كثير من الأمريكيين في النظر إلى الأعمال الإرهابية في ضوء جديد عندما بدأ الربط بين منظمات من قبيل حماس وحزب الله وبين جماعة القاعدة بزعامة أسامة بن لادن. وأما ما كان له أثر مؤذٍ متميز على الفلسطينيين فهو المظاهرات التي خرجت تأييداً لابن لادن والأدلة التي ربطت بين سفينة اعترضتها إسرائيل (اسمها كارين آ) كانت تحمل أسلحة مهربة وبين الدعم الإيراني المقدم إلى السلطة الوطنية الفلسطينية. تم اعتراض هذه السفينة يوم 3 كانون الثاني 2002، وهو يوم وصول المبعوث الأمريكي أنتوني زيني من أجل محاولة التوصل إلى تسوية. وعلى ضوء هذه الصورة. بدا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمنحان إسرائيل مجالاً أوسع للتحرك ضد الفلسطينيين. نفذت إسرائيل اقتحامات متزايدة في المناطق الفلسطينية وحاصرت الرئيس ياسر عرفات في المجمع الرئاسي في رام الله. لكن الفلسطينيين قاموا بتصعيد هجماتهم ضد الجنود الإسرائيليين إضافةً إلى تصعيد التفجيرات الانتحارية.

اقتراحات السعودية السلمية وقرار الدولة الفلسطينية ـ طرح ولي العهد السعودي الأمير عبد الله اقتراحاً جريئاً من أجل إنهاء الحرب الطويلة بين العرب وإسرائيل مقابل انسحاب الإسرائيليين من المناطق الفلسطينية، ومقابل انسحاباً في الجولان مع ترتيبات ملائمة فيما يخص القدس واللاجئين. وقد جرى تبني هذا الاقتراح بعد تعديله ليكون أكثر وضوحاً فيما يخص مسألة اللاجئين في اجتماع الجامعة العربية؛ وفي النهاية جرى إدخاله ضمن خطة الطريق التي طرحتها اللجنة الرباعية. وفي 12 آذار 2002 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 1397 الذي دعا الأطراف إلى وقف العنف من جديد وتطرق إلى ذكر خطة الأمير عبد الله للسلام، وكذلك دعا للمرة الأولى منذ عام 1947 إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

عملية الجدار الواقي

لكن الإرهاب والهجمات الانتحارية وردات الفعل الانتقامية الإسرائيلية تواصلت في هذه الأثناء. أعلن ياسر عرفات وقف العنف عدة مرات، لكن هذا لم يكن ذا تأثيرٍ ظاهر على اشتداد التفجيرات الانتحارية والكمائن. أما الإسرائيليون فقد واصلوا من جانبهم سياستهم في اغتيال المطلوبين في المناطق الفلسطينية. وخلال الأسبوع الأخير من شهر آذار، أي حين كان الجنرال زيني على وشك الذهاب إلى الشرق الأوسط من جديد، كان الفلسطينيون ينفذون هجمة انتحارية ناجحة كل يوم تقريباً، إضافةً إلى الكثير من الهجمات الفاشلة. أدى تفجير في فندق بارك في ناتانيا إلى مقتل 27 شخصاً كانوا يحتفلون بأحد الأعياد الدينية اليهودية. ردت إسرائيل بغارة ضخمة أسمتها "عملية الجدار الواقي" أرادت من خلالها استئصال البنية التحتية للإرهاب، بما في ذلك إعادة احتلال رام الله ونابلس وجنين وطول كرم، وبلدات أخرى. زعمت إسرائيل أن 50 شخصاً فقط قتلوا في مخيم اللاجئين في جنين وأن أكثرهم أعضاء في كتائب شهداء الأقصى الانتحارية التابعة لحركة فتح. لكن الفلسطينيين اتهموا الإسرائيليين بارتكاب مجزرة في مخيم جنين قتلوا فيها أكثر من 500 شخص. وقد كرر هذه الاتهامات أكثر المصادر الإخبارية في أوروبا رغم تراجعها عنها فيما بعد. وقد قالت منظمات حقوق الإنسان التي دخلت مخيم جنين بعد الغزو الإسرائيلي إن فيه قدراً كبيراً من الدمار وإن من المرجح أن يكون جيش الدفاع الإسرائيلي قد ارتكب فيه جرائم حرب من خلال منع وصول المساعدة الطبية؛ لكنها قالت إن عدد القتلى لم يتجاوز الخمسين وإن أكثر من نصفهم إرهابيون. وبهذا أكدت الرواية الإسرائيلية عن الأحداث.

خفت الهجمات الانتحارية لكنها لم تتوقف. وخلال مجرى القتال وضعت إسرائيل يدها على وثائق كثيرة تدل على أن ياسر عرفات كان قد وافق شخصياً على تنظيم خلايا إرهابية، وكذلك على أن خزينة السلطة الوطنية الفلسطينية وافقت على دفع أموال من أجل شراء أحزمة ناسفة يستخدمها الانتحاريون. اعتقل الإسرائيليون أو قتلوا كثيراً من الأشخاص الذين شكوا في تورطهم في النشاطات الإرهابية. وقام جيش الدفاع الإسرائيلي أيضاً بإتلاف سجلات وأبنية وطرق وغير ذلك من البنية التحتية المدنية البريئة في المصارف والمنظمات غير الحكومية وغيرها من المنظمات التي من الواضح أن لا علاقة لها بالإرهاب. وفي وقتٍ لاحق من مجريات القتال تمكن جيش الدفاع من تحديد مكان وجود مروان البرغوثي الذي يقود "التنظيم" في فتح، واعتقلته. زعمت إسرائيل أن لديها أدلة على صلة البرغوثي بكثير من الأعمال الإرهابية. وفي النهاية قدمته إلى المحكمة فتلقى خمسة أحكام بالسجن المؤبد بسبب التواطؤ على القتل. ذهب منتقدو السياسة الإسرائيلية إلى أن من غير الممكن إنهاء العنف بالوسائل العسكرية في غياب التقدم باتجاه الحل السلمي. لكن عدد الهجمات الإرهابية الناجحة وتواترها راحا يتراجعان في أعقاب عملية الجدار الواقي، وذلك مع استخدام قوات الأمن الإسرائيلية المتزايد للمعلومات الاستخباراتية التي جمعتها خلال هذه العملية من أجل رصد الهجمات الإرهابية وإحباطها. لكن عدد محاولات شن تلك الهجمات لم يشهد تناقصاً كبيراً.

وقبيل نهاية عملية الجدار الواقي وصل إلى المنطقة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول لمحاولة وقف العنف فقد كان في حاجة إلى الهدوء في إسرائيل وفلسطين من أجل إتاحة المجال للولايات المتحدة لبناء تحالف ضد العراق. لكن مهمة باول لم تحقق شيئاً إذ لم يتمكن من جعل الإسرائيليين ينسحبون انسحاباً كاملاً من المناطق التي احتلوها ولم يتمكن من جعل الفلسطينيين يوافقون على وقف إطلاق النار. وقد أدى الغضب الشعبي والمظاهرات في البلدان العربية بفعل اتهام إسرائيل بارتكاب المجازر إلى دفع الأمم المتحدة إلى التحرك. وقد أمر قرار الأمم المتحدة رقم 1402 إسرائيل بالانسحاب الفوري. ومع مغادرة باول كان الجيش الإسرائيلي قد انسحب من بعض البلدات لكن ياسر عرفات كان لا يزال حبيس المقر الرئاسي في رام الله وكان الإسرائيليون يحاصرون كنيسة المهد في بيت لحم حيث التجأ فيها فلسطينيون مسلحون هرباً من جيش الدفاع الإسرائيلي. تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1403 الذي يعرب عن سخط المجلس لعدم تنفيذ القرار 1402. وفي 19 نيسان تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1405 الداعي إلى تشكيل فريق تحقيق محايد وإرساله للتحقق من صدق المزاعم الفلسطينية. اعترضت إسرائيل على تركيبة الفريق. لقد وافقت إسرائيل على التحقيق في البداية لكنها عادت عن موافقتها ومنعت إجراء تحقيق زاعمة أن تركيبة الفريق وإجراءات التحقيق غير منصفين بالنسبة لها وقالت إن الأمم المتحدة تراجعت عن الاتفاقات الأولية بشأن هذا التحقيق. كانت معارضة التحقيق في إسرائيل مدفوعة بذكريات مؤتمر دربان الذي لم يمض عليه وقت طويل إضافة إلى قرار الأمم المتحدة المشين "الصهيونية أحد أشكال العنصرية" الذي جرى استحضاره كثيراً في الجدل العام في إسرائيل.

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون بزيارة الولايات المتحدة في أيار 2002 بضغط من الإدارة الأمريكية من أجل طرح برنامج سلمي يمكن أن يكون مقبولاً لدى الفلسطينيين والدول العربية. ناقش الزعيمان خطط عقد قمة إقليمية في وقت لاحق من عام 2002 وعرض الجانب الإسرائيلي وثائق زعم أنها تثبت تورط ياسر عرفات والسلطة الوطنية الفلسطينية في الأعمال الإرهابية. وقد وردت أثناء اجتماع بوش وشارون أنباء عن تفجير انتحاري قامت به حماس فقطع شارون زيارته وعاد إلى إسرائيل.

تم التوصل إلى حل لحصار مبنى المقاطعة (مقر الرئاسة الفلسطينية) وكنيسة المهد في أيار 2002. جرى إبعاد المسلحين في كنيسة المهد إلى قبرص وأوروبا. وأما بعض المطلوبين الذين كانوا في مجمع المقاطعة في رام الله فقد جرى حبسهم في أريحا؛ لكن من الواضح أن قسماً من المطلوبين ظل في المجمع. وقد زعم أن زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان يتولى تنسيق الهجمات الانتحارية من زنزانة سجنه في أريحا. وتحت ضغط من أجل الإصلاح الديمقراطي، وقع ياسر عرفات في نهاية أيار القانون الأساسي، أو دستور الدولة الانتقالية الفلسطينية. وينص هذا القانون على أن القانون الفلسطيني قائم على مبادئ الشريعة الإسلامية.

وبعد موجة جديدة من الهجمات الانتحارية الفلسطينية في حزيران أعادت القوات الإسرائيلية احتلال معظم أنحاء الضفة الغربية. وسرعان ما زعمت الحكومة الإسرائيلية أن إعادة الاحتلال هذه لن تستمر من غير نهاية، لكنها عادت فأشارت إلى غير ذلك في وقتٍ لاحق. وألقى الرئيس بوش كلمة طال انتظارها تناولت سياسة الشرق الأوسط ودعت إلى قيام دولة فلسطينية، لكنها أصرت على ضرورة الإصلاح الديمقراطي في السلطة الوطنية الفلسطينية.

وفي شهري آب وأيلول 2002، أحبطت عدة محاولات لوقف إطلاق النار من جانب الفلسطينيين بفعل رفض الجماعات المتطرفة المشاركة فيها وبفعل الأعمال التي قامت بها إسرائيل من قبيل قتل صلاح شحادة الذي كان قائد الجناح العسكري في حماس، وذلك خلال غارة صاروخية على غزة سقط ضحيتها 13 مدنياً. حل محمد ضيف محل صلاح شحادة. مرت ستة أسابيع من شهري آب وأيلول هدأت فيها الهجمات الإرهابية والانتحارية الكبيرة مما سهل وضع خطة إسرائيلية فلسطينية من أجل إعادة السلطة الفلسطينية الكاملة في غزة وبيت لحم أولاً. لكن هذا فشل بعد عدد من الهجمات العنيفة في غزة. وفي أوائل شهر أيلول أحبطت قوات الأمن الإسرائيلية كثيراً من الهجمات الانتحارية وضبطت شاحنة تحمل أكثر من 600 كغ من المتفجرات وعبوات الغاز كان الفلسطينيون يعتزمون استخدامها في هجوم انتحاري.

انعقد المجلس الوطني الفلسطيني في أيلول للموافقة على الوزارة الجديدة التي جرى اختيارها انسجاماً مع المساعي الإصلاحية. لكن أعضاء الحكومة في المجلس رفضوا المصادقة على الحكومة الجديدة حتى يقبل ياسر عرفات بوجود رئيس للوزراء يقاسمه السلطة. بدلاً من ذلك وافق عرفات على إجراء الانتخابات في كانون الثاني 2003 رغم الاحتلال الإسرائيلي. كانت شعبية عرفات في الحضيض. ولم تجر تلك الانتخابات أبداً.

انتهت فترة الهدوء النسبي بتفجير انتحاري في أم الفحم وفي حافلة في تل أبيب. ردت الحكومة الإسرائيلية بالهجوم على غزة ودخلت مدينة غزة نفسها كما حاصرت ياسر عرفات ومعه نحو 200 شخص في مبنى المقاطعة في رام الله. طالبت إسرائيل الفلسطينيين بتسليم الأشخاص المطلوبين الذين لجأوا إلى مبنى المقاطعة، وكان من بينهم رئيس الأمن الوقائي الفلسطيني توفيق طيراوي. ظل عرفات على عناده. وقامت إسرائيل بتدمير جميع مباني مجمع المقاطعة باستثناء المبنى الرئيسي، لكنها وعدت بعدم إيذاء عرفات. وبعد سريان شائعة قالت إن إسرائيل تعتزم نسف مبنى المقاطعة انطلقت مظاهرات ضخمة في الضفة الغربية وغزة سقط فيها 4 قتلى. ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لكي تتوقف عن تدمير المباني في مجمع المقاطعة وتنسحب. استمر الحصار الإسرائيلي رغم قرار الأمم المتحدة. شهدت شعبية عرفات زيادة كبيرة لدى الفلسطينيين. رفع الحصار في النهاية لكن عرفات ظل محتجزاً ومعزولاً في رام الله. جرى فرض حصار جديد في الخريف. وفي نيسان 2002 أطلقت الحكومة الأمريكية سلسلة مشاورات مع مجموعة من الدبلوماسيين صارت تعرف باسم "اللجنة الرباعية". وضعت هذه اللجنة خطة طريق فيما يخص الاستيطان تتضمن انسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية.

وفي تشرين الأول 2002 انسحب حزب العمل من حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية. دعا رئيس الوزراء آرييل شارون إلى انتخابات فورية تجري في 28 كانون الثاني. وفي الانتخابات حظي حزب شارون، الليكود، بتفويضٍ ساحق لمواصلة السياسات المتشددة إزاء الفلسطينيين. رفض حزب العمل الإسرائيلي تشكيل حكومة وحدة وطنية. وواصلت إسرائيل احتلال معظم أجزاء الضفة الغربية.

وخلال هذه الفترة واصلت الولايات المتحدة حشد القوات من أجل غزو العراق، وواصلت مع شركائها في اللجنة الرباعية طرح خطة الطريق من أجل السلام في الشرق الأوسط. قام أعضاء اللجنة الرباعية، الولايات المتحدة خاصةً، بالضغط على الفلسطينيين من أجل الالتزام بالإصلاح الشامل في حكومتهم الذي من شأنه أن يقضي على الفساد وعلى دعم الإرهاب. وقد اقترح أن يتولى محمود عباس (أبو مازن) رئاسة الوزراء. بحيث يطغى حضوره على ياسر عرفات الذي مازال يتمتع بالشعبية.

حرب العراق وخطة الطريق والإصلاح الفلسطيني

في 20 آذار 2003 قامت قوات من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بغزو العراق. كان الفلسطينيون مؤيدين لصدام حسين، وكان نظامه قد قدم الأموال لعائلات الانتحاريين إضافة إلى إيواء المقاتلين الفلسطينيين. دخلت القوات الأمريكية بغداد يوم 9 نيسان وأعلنت الرئيس بوش انتهاء الحرب في الأول من أيار. سببت الحرب جيشاناً واضطراباً في الشرق الأوسط كان الفلسطينيون أكثر من تأثر به. دهش العرب لسرعة سقوط العراق. وسارعت الحكومات العربية، بما فيها السلطة الفلسطينية إلى إبداء إشارات تصالحية وإلى الحديث عن الديمقراطية مع انتقاد الاحتلال الأمريكي للعراق الذي ولّد قدراً كبيراً من السخط. انتخب محمود عباس رئيساً للوزراء في فلسطين في 29 نيسان لكن العنف لم يهدأ. نفذ الإسرائيليون غارات دموية في غزة وغيرها يوم انتخاب عباس. وبعد ساعات معدودة نفذت فتح وحماس هجوماً انتحارياً في ملهى ليلي في تل أبيب. وفي اليوم التالي بدأ الجيش الإسرائيلي غارات مكثفة في المناطق. وخلافاً لخطة الطريق، تولى ياسر عرفات مسؤولية تنظيم قوة أمنية موحدة جديدة. كانت الولايات المتحدة، طبقاً لما وعدت به الفلسطينيين، قد أطلقت خطة طريق محدثة يوم 30 نيسان، أي عقب انتخاب أبو مازن مباشرة. وفي قمة احتفالية عقدت في العقبة يوم 4 حزيران، تعهد كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس بالوفاء بشروط خطة الطريق ثم تصافحا في حضور الرئيس الأمريكي جورج بوش. ودعا أبو مازن إلى وقف العنف.

تعهد زعماء حركتي حماس والجهاد الإسلامي الإسلاميتين المتطرفتين بمواصلة العنف. وبعد تلك القمة مباشرة قتل أربعة جنود إسرائيليين في غزة في عملية مشتركة لم تقتصر المشاركة فيها على الإسلاميين المتطرفين إذ شاركت فيها حركة فتح، وهي حركة محمود عباس. بدأت إسرائيل تفكيك زهاء 100 نقطة عسكرية غير قانونية، لكن هذا التفكيك اقتصر على النقاط غير المأهولة. وفي 10 حزيران حاولت إسرائيل اغتيال زعيم حماس أحمد ياسين مما أثار الغضب بين الفلسطينيين والانتقاد الموجه إلى الولايات المتحدة. وفي 11 حزيران، قتل تفجير انتحاري 16 إسرائيلياً في حافلة في شارع رئيسي من شوارع القدس. وفي 20 آب، قتل تفجير انتحاري آخر 21 شخصاً في حافلة في القدس. وفي اليوم التالي اغتالت إسرائيل أحد قادة حماس ويدعى إسماعيل أبو شنب، ولعل ذلك كان انتقاماً لتلك التفجيرات. أعلنت إسرائيل أيضاً إهدار دم جميع قادة حماس ونفذت عدة محاولات لاغتيالهم فشل بعضها، وكان من بين المستهدفين "الزعيم الروحي" المسن المقعد لحركة حماس. ومع استمرار تهاوي الهدنة سرت شائعات قالت إن متطرفين فلسطينيين حاولوا اغتيال رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس. وفي الأيام التي أعقبت ذلك دخلت إسرائيل الضفة الغربية من أجل عملية "تطهير أمني" تدوم عدة أيام. بدأ عباس ورئيس جهاز الأمن في غزة محمد دحلان التحرك ضد الإرهابيين الفلسطينيين وفقاً لمقتضيات خطة الطريق؛ في حين حاول ياسر عرفات أن يستبدل بمحمد دحلان جبريل الرجوب وأن يضع الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية في أيدي أنصاره. أعلن عباس في 4 أيلول أنه لن يتحرك ضد الإرهابيين، لكن هذا لم يفلح في جعله يتمكن من الاستمرار في منصبه فاستقال في 6 أيلول وخلفه أحمد قريع (أبو العلاء) الذي كان من أنصار عرفات. تعهد قريع بانتهاج خط متشدد إزاء إسرائيل. وفي 8 أيلول قرر زعماء الاتحاد الأوروبي فرض حظر على الجناح السياسي لحركة حماس وعلى منع التبرعات النقدية المقدمة إليها.

وفي مساء 10 أيلول 2003 سقط 15 قتيلاً في تفجيرين انتحاريين متزامنين في القدس وبالقرب من قاعدة زريفين العسكرية قرب ريشون لوزيون. انتهت فترة الحرب الهادئة بتفجير انتحاري آخر في مطعم في حيفا يوم 4 تشرين الأول تمت نسبته إلى حركة الجهاد الإسلامي. أدانت السلطة الفلسطينية ورئيس وزرائها المعين أحمد قريع ذلك التفجير، لكنهما رفضا الالتزام باتخاذ خطوات ضد المجموعات الإرهابية. وعلى سبيل الانتقام قامت إسرائيل اجتياح غزة وجنين؛ وفي 5 تشرين الأول ضربت قاعدة في سورية زعمت أنها قاعدة لتدريب الجماعات الإرهابية الفلسطينية. كان هذا أول هجوم إسرائيلي في الأراضي السورية منذ حرب يوم الغفران (حرب رمضان) عام 1973. بعد ذلك بدأت فترة طويلة من الهدوء النسبي في الهجمات الفلسطينية، لكن إسرائيل واصلت مهاجمة الأهداف الفلسطينية موقعة خسائر كبيرة في أرواح المدنيين. استمر حدوث الهجمات الانتحارية من وقت لآخر من قبل فصيلي حماس أو الجهاد الإسلامي أو من قبل كتائب الأقصى التي هي جزء من حركة فتح من الواضح أن السلطة الوطنية الفلسطينية فقدت سيطرتها عليه. جرى تنفيذ تفجيرات انتحارية في 25 كانون الأول 2003 وفي 14 و29 كانون الثاني 2004 وفي 22 شباط أيضاً من قبل كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح "المعتدلة" ومن قبل حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

اتفاق جنيف ـ أعلن زعماء المعارضة الإسرائيلية وقادة فلسطينيون عن اتفاق مبادئ بشأن شروط الحل النهائي. يطرح هذا الاتفاق الذي صار يعرف باسم اتفاق جنيف تقديم تنازلات تاريخية من الجانبين: تتخلى إسرائيل عن السيادة على الشطر العربي من القدس في حين يتخلى الفلسطينيون بوضوح عن حق اللاجئين في العودة إلى إسرائيل. ورغم انعدام الصفة الرسمية لذلك الاتفاق في وقته فقد حظي بدعاية واسعة وتضمنت تأييداً من جانب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول وتحبيذاً حاراً من جانب ياسر عرفات. شجبت الحكومة الإسرائيلية هذا الاتفاق والمشاركين فيه وحاولت منع الترويج له في وسائل الإعلام العامة. وعلى نحوٍ مماثل، شجبه المتطرفون الفلسطينيون وحلفاؤهم.

الجدار الأمني (يدعى أيضاً "السياج الأمني" أو "جدار الفصل العنصري") ـ كان من بين القضايا الكبرى التي أثيرت خلال الحملة الانتخابية الإسرائيلية عام 2003 إقامة حاجز أمني (سياج أو جدار) دعا إلى بنائه حزب الحمائم في إسرائيل، حزب العمل. وكان من المزمع أن يقام الجدار على امتداد الخط الأخضر ليساهم في منع الهجمات الانتحارية داخل إسرائيل. وكان حاجز مماثل في غزة قد استطاع تقليل حالات التسلل حتى الصفر. لكن اليمين، بما فيه حزب الليكود بزعامة آرييل شارون، عارض إقامة هذا الجدار لأن من شأنه أن يخلق حدود أمر واقع، كما رأوا، فيقسم القدس ويضع معظم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية خارج حماية الترتيبات الأمنية. فاز شارون وحزبه في الانتخابات بأغلبية كبيرة موقعين فوضى شاملة في حزب العمل وحزب ميريتس اليساري.

وخلال عام 2003 تبنى رئيس الوزراء آرييل شارون فكرة الجدار العازل وعدلها فغير مسار الجدار ليشمل كبرى المستوطنات الإسرائيلية وجعل فيه قسماً ناتئاً من جهة الشرق من شأنه فصل الفلسطينيين إلى جيبين. ومع المضي في إنشاء الجدار صار من الواضح أنه يحجز كثيراً من الفلسطينيين فيفصلهم عن حقولهم وأماكن عملهم التي يقع بعضها على الجانب الإسرائيلي من الخط الأخضر الذي رسمته هدنة 1948 ويقع بعضها الآخر على الجانب الفلسطيني. وفي المناطق المأهولة حيث يظهر الجدار أكثر من المناطق الأخرى، تمت إقامته على شكل جدار إسمنتي ضخم رغم أن معظم أجزائه الأخرى مبنية على شكل سياج. بدأت الجماعات الفلسطينية وجماعات السلام الإسرائيلية حملة احتجاجٍ شديدة. وفي 8 كانون الأول 2003 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة طارئة فأصدرت القرار رقم (ES-10/14) الذي طلب من محكمة العدل الدولية في لاهاي رأياً استشارياً فيما يخص شرعية إقامة الجدار. بدأت المحكمة مداولاتها في 24 شباط لكن إسرائيل قاطعت جلساتها رغم أنها قدمت مذكرة موجزة مفادها أن على المحكمة عدم إصدار حكم في هذه القضية. وقد قدم نحو 30 بلداً آخر، من بينها الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية، مذكرات تقول إن على المحكمة عدم إصدار حكم بأن المسألة سياسية لا قانونية؛ ولذلك امتنعت هذه الدول كلها عن حضور الجلسات. على أن أكثر هذه الدول انتقد الجدار باعتباره غير شرعي أو باعتباره عقبة في وجه مفاوضات السلام. قامت جماعات إسرائيلية وصهيونية بتنظيم مظاهرات في لاهاي، ونظم الفلسطينيون مظاهرات مضادة. جلب الإسرائيليون حافلة تعرضت للتفجير وقالوا إن الجدار يمنع الهجمات الانتحارية. أما الفلسطينيون فاستخدموا الجلسات منبراً من أجل نزع الشرعية عن الاحتلال. وفي 9 تموز خرجت محكمة العدل الدولية برأي استشاري فيما يخص السياج الأمني الإسرائيلي. قررت المحكمة أن هذا السياج ينتهك حقوق الإنسان وأن على إسرائيل تفكيكه. أعلنت إسرائيل عدم التزامها بقرار المحكمة لكنها أدخلت تغييرات على مسار الجدار نزولاً عند قرار المحكمة الإسرائيلية العليا.

فضيحة الفساد الإسرائيلية ـ منذ انتخاب آرييل شارون في عام 2003 حامت حوله الشكوك كما حامت حول عدد من أعضاء حزب الليكود بسبب مزاعم بالرشوة والعلاقة مع عصابات إجرامية. وفي كانون الثاني 2003 أدين دافيد آبيل بتهمة الرشوة، وقد كان أحد أقرب مساعدي آرييل شارون. وقالت لائحة الاتهام إنه قدم الرشوة إلى شارون وابنه وإلى نائب رئيس الوزراء إيهود أولمرت. وكان السؤال الواضح هو: هل سيدان آرييل شارون أم لا؟

جدل بشأن تبادل السجناء ـ بعد شهورٍ طويلة من المفاوضات من خلال وساطة ألمانية، اتفق كل من إسرائيل وحزب الله اللبناني على تبادل للسجناء وفق شروط من جانب واحد، وذلك في 29 كانون الثاني 2004. أطلقت إسرائيل سراح أكثر من 400 سجين فلسطيني ولبناني أحياء، وأعادت عدداً كبيراً من الجثامين مقابل جثامين ثلاثة جنود إسرائيليين اختطفهم حزب الله وقتلهم وجثمان مدني واحد هو ضابط الاحتياط الحنان تاننباوم الذي كان "رجل أعمال" مريب كذب بشأن كيفية اختطافه وقدم لحزب الله دعاية مجانية عبر تلفزيون المنار.

اغتيال الشيخ أحمد ياسين ـ كانت إسرائيل تستهدف زعيم حركة حماس الشيخ أحمد ياسين منذ شهورٍ كثيرة بغية اغتياله. وفي أعقاب هجوم انتحاري في ميناء أشدود صعّد جيش الدفاع الإسرائيلي عملياته ضد الإسلاميين في غزة وأعلن من جديد أن قادة حماس مستهدفون بالاغتيال. وفي 22 آذار أكدت معلومات استخباراتية إسرائيلية أن أحمد ياسين (مؤسس حركة حماس الإسلامية وزعيمها) ذهب إلى الصلاة من غير زوجته وأطفاله فأعطي الضوء الأخضر لاغتياله. لقد أدى اغتيال هذا الرجل العجوز المقعد الذي كان مسؤولاً عن موت مئات الأشخاص وعن تخريب العملية السلمية إلى احتجاجات في معظم أنحاء العالم وإلى تعهد حركة حماس بالثأر له. لعل القيمة الاستراتيجية لاغتياله كانت قليلة؛ ولعله اغتيل من أجل تعزيز شعبية آرييل شارون المتراجعة.

خطة فك الارتباط وخطاب الضمانات من جورج بوش

كان ثمة اقتراح من حزب العمل الإسرائيلي بقيادة عاميرام ميتزنا خلال الحملة الانتخابية لعام 2003 مفاده أن على إسرائيل أن تنسحب من جانب واحد من قطاع غزة وربما من بعض أجزاء الضفة الغربية وأن تواصل حياتها خلف الجدار الفاصل إذا فشلت المفاوضات مع الفلسطينيين. رفض شارون وحزبه هذا الاقتراح باعتباره انهزامياً. لكن شارون نفسه أعلن قبيل نهاية عام 2003 أنه يخطط للانسحاب من جانب واحد يجري خلال ستة أشهر (تم تأجيل هذا التاريخ فيما بعد). جوبهت خطة الانسحاب من كامل قطاع غزة بمعارضة شديدة من زملاء شارون في حزب الليكود ومن المستوطنين أيضاً. وقد أشارت التقارير في أواخر شهر شباط إلى أن إسرائيل مازالت تواصل مصادرة الأراضي وبناء الحواجز الأمنية من أجل مستوطني غزة رغم ما قيل عن أن شارون قرر إخلاء المستوطنات. وفي نيسان 2004 سافر شارون إلى الولايات المتحدة واجتمع في 14 نيسان مع الرئيس الأمريكي جورج بوش من أجل الحصول على مساندة وضمانات أمريكية من أجل خطة فك الارتباط من جانب واحد التي طرحها شارون. قدم بوش له خطاباً ينص على أن الولايات المتحدة تقبل هذه الخطة وأن خطة الطريق تظل هي خطة السلام الوحيدة التي تؤيدها الولايات المتحدة. وحتى يكسب شارون شعبيةً لصالح هذه الخطة في إسرائيل، صرح بوش أن الولايات المتحدة ترى وجوب إقامة اللاجئين الفلسطينيين في الدولة الفلسطينية الجديدة لا في إسرائيل؛ أي أنه لا حاجة لإلزام إسرائيل، برأيه، بالانسحاب حتى خطوط الهدنة لعام 1949، إضافةً إلى أن الولايات المتحدة تقبل بالسياج الأمني الإسرائيلي. كرر شارون التزام إسرائيل بخطة الطريق وتعهد بأن يكون السياج الأمني حاجزاً مؤقتاً لا حدوداً نهائية. ما كان لخطاب بوش كبير وزن فيما يخص المفاوضات في المستقبل فقد كرر مواقف اتخذها الرئيس الأسبق كلينتون بشأن اللاجئين والحدود. ورغم ذلك أثار الخطاب غضباً في العالم الإسلامي. خسرت خطة الانسحاب من جانب واحد الاستفتاء الذي أجري داخل حزب الليكود يوم 2 أيار 2004 فاقترح شارون نسخة معدلة منها. وفي أيار نفذت إسرائيل عملية عسكرية واسعة في غزة (عملية قوس قزح) قتلت فيها أكثر من 40 شخصاً وشردت الآلاف وأثارت غضباً دولياً. وفي أواخر تشرين الأول أقر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قانون فك الارتباط في القراءة الأولى مما أدى إلى خروج الحزب القومي الديني اليميني من الحكومة التي تراجعت أغلبيتها النيابية إلى 55 مقعداً بسبب خروجه.

اغتيال عبد العزيز الرنتيسي ـ في 17 نيسان 2004 قتل جيش الدفاع الإسرائيلي زعيم حماس المنتخب حديثاً عبد العزيز الرنتيسي. ومن الواضح أن د. محمود الزهار قد انتخب ليحل محله، لكن من غير إعلان رسمي عن ذلك خشية الانتقام الإسرائيلي. ويقال إن الزهار هو الأخير الباقي على قيد الحياة من بين سبعة أشخاص أسسوا حركة حماس. أما الستة الباقون فقد اغتالتهم إسرائيل جميعاً.

حكومة أحمد قريع ـ في 12 تشرين الثاني 2003، وبعد فترة طويلة من المفاوضات، شكل أحمد قريع حكومة دائمة وبدأت التحركات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار وتجديد المفاوضات مع الإسرائيليين. لكن حصيلة هذه التحركات كانت قليلةً جداً. ففي 19 تشرين الثاني اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1515 الذي اعتمد خطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية من أجل السلام ودعا الأطراف إلى الوفاء بما يترتب عليها بموجب هذه الخطة. لكن التوغلات الإسرائيلية تواصلت وبدا الفلسطينيون من جانبهم غير مستعدين لضبط الجماعات الإرهابية، أو غير قادرين على ذلك. أعلن عن لقاءات مرتقبة بين رئيسي الوزراء أحمد قريع وآرييل شارون، وكثرت الشائعات والتكهنات بشأنها، لكنها تبخرت. ولحين من الوقت كان قريع يعلن أنه لن يجتمع مع شارون حتى توقف إسرائيل بناء السياج الأمني (انظر أدناه). لكن، عندما أعلن شارون خطة فك الارتباط من جانب واحد وبدا أنه صادق في ذلك، صار قريع قلقاً من أن يكون انسحاب الإسرائيليين دون مفاوضات نصراً لحماس والجهاد الإسلامي، الخصمين السياسيين لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تدير السلطة الوطنية الفلسطينية واللذين يأملان في وراثة الزعامة الفلسطينية. أعلن قريع عند ذلك استعداده للاجتماع مع شارون وأن هذا الاجتماع سيحدث بكل تأكيد في أواخر شباط. لكن المفاوضات الرامية إلى وضع جدول أعمال هذا الاجتماع تأجل لأسبابٍ كثيرة من بينها وقوع تفجيرات انتحارية وقيام إسرائيل بمزيد من الاغتيالات.

فوضى في غزة ـ في هذه الأثناء صار من الواضح أن قريع غير قادر على الحكم فعلاً رغم بعض النجاح في ميدان تحسين الشفافية المالية نزولاً عند مطالب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي أوائل 2004 وردت أخبار كثيرة عن الفوضى والتشرذم وانعدام القانون في المناطق الفلسطينية. وعند نهاية شهر شباط أعلن رئيس الأمن الفلسطيني السابق محمد دحلان أن السلطة الفلسطينية ما عادت قادرة على لجم كتائب شهداء الأقصى المنشقة عن فتح والتي كانت مسؤولة عن كثير من التفجيرات الانتحارية. وأما محاولات توحيد الأجهزة الأمنية، التي عرقلها عرفات، فقد انتهت بالشقاق والاتهامات المتبادلة. وفي 26 شباط وعد الرئيس عرفات بإجراء الانتخابات التي طال تأجيلها؛ لكن كثيراً من الفلسطينيين لم يصدقوا هذا الوعد. وفي نابلس سادت حالة من انعدام القانون واستقال محافظ المدينة.

اندلع العنف في غزة يوم 18 تموز 2004 بين فصائل من حركة فتح. اختطفت إحدى المجموعات قائد الشرطة غازي الجبالي وعدداً من المواطنين الفرنسيين. ثم أطلقت سراحهم شريطة مثول الجبالي أمام القضاء. أعاد ياسر عرفات تنظيم الأمن وعين ابن شقيقه موسى عرفات مسؤولاً عن قوات الأمن الفلسطينية. ردت القوى المعارضة باجتياح مقر موسى عرفات. وبعد ذلك أعلن رئيس الوزراء أحمد قريع استقالته فلم يقبلها عرفات. لكن قريع أصر على الاستقالة. أعلن عرفات عن سحب تعيين موسى عرفات؛ لكنه أعلن أيضاً أن موسى سيظل مسؤولاً عن الأمن في غزة. استدعت المطالبات اللاحقة بالإصلاح مزيداً من التصريحات من جانب عرفات. وعندما لم يجري تنفيذ شيء من تلك التصريحات أعلن أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني تأجيل اجتماع مجلسهم احتجاجاً.

الوضع الأمني في عام 2004 ـ لم تقع هجمات إرهابية كبيرة ناجحة خلال ربيع وصيف 2004 رغم كثرة المحاولات. وقد عزا الفلسطينيون والإسرائيليون ذلك الهدوء النسبي إلى السياج الأمني الذي أنجز جزئياً وإلى تحسن أداء الاستخبارات الإسرائيلية. واصلت إسرائيل اعتقال وقتل الفلسطينيين المنتمين إلى المنظمات الإرهابية وواصلت احتلال المدن الفلسطينية في الضفة الغربية. وفي 31 آب 2004 ارتكبت حماس هجوماً انتحارياً مزدوجاً في بئر السبع انتقاماً لقتل قادتها. جاء المهاجمون من منطقة تقع جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية حيث لم يجر بناء السياج الأمني بعد. أدى الهجوم إلى تسريع بناء الجدار ونفذت إسرائيل انتقاماً دموياً من خلال قصف مخيم تدريب لحماس في غزة. وفي تشرين الأول 2004 نفذت إسرائيل عملية "أيام الندم" من أجل إيقاف تساقط الصواريخ الفلسطينية على البلدات الإسرائيلية. قتل وشرّد في هذه العملية كثير من المدنيين.

محادثات السلام السورية الإسرائيلية

Map of Israeli Golan Heights Peace Offer to Syria - March 2000

تبين هذه الخريطة العرض الإسرائيلي الفعلي الذي نقله الرئيس كلينتون إلى الرئيس الأسد في آذار 2000 فرفضه فوراً. استند العرض إلى حدود 4 حزيران 1967 مع انحرافات صغيرة جداً. من دينيس روس، "السلام المفقود"، فارار وشتراوس وغيرو، 2004، الخريطة رقم 10.

محادثات السلام السورية الإسرائيلية ـ انطلقت محادثات السلام بين سورية وإسرائيل بعد مؤتمر مدريد للسلام. ويقال إن الجانبين توصلا في أيار 1995 إلى إنجاز اتفاقية سلام تفصيلية تتضمن انسحاباً إسرائيلياً من مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ثم قامت بضمها في وقتٍ لاحق. وفي المقابل، يعترف السوريون بإسرائيل ويسمحون بتجارة طبيعية معها وبإقامة محطات إنذار مبكر إسرائيلية على الأراضي السورية. كان الوعد الإسرائيلي بالانسحاب من الجولان كله قد قدم بشكل غير مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين إلى وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر بصفة "وديعة" يجري تقديمها إلى السوريين إذا وافقوا على بقية الشروط الإسرائيلية. وقد أطلق على هذه الوديعة أيضاً اسم "الجيب" بسبب ما قيل من أن رابين قال لكريستوفر "ضع هذه في جيبك" حتى تتحقق بقية الشروط. وخلال المفاوضات، خالف كريستوفر هذا التفاهم مع رابين وأخبر الأسد عن "الوديعة". وخلال فترة استمرار المفاوضات كان رابين يكثر من ترديد شعار "سيكون عمق الانسحاب مساوياً لعمق السلام" مشيراً إلى أن إسرائيل ستكون مستعدة للانسحاب حتى خطوط الهدنة مقابل السلام الحقيقي. لكن المفاوضات مع حكومة رابين لم تستمر فقد اغتيل رابين يوم 5 تشرين الثاني 1995.

تم تجديد المفاوضات في كانون الثاني 2000 من قبل رئيس الوزراء إيهود باراك. لكنها انتهت بالفشل أخيراً في 27 آذار 2000. أصرت سورية على مواصلة المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، بما في ذلك "وديعة رابين". والواقع أن رابين وعد في "وديعته" بالانسحاب حتى خطوط 4 حزيران، لكن باراك ما كان راغباً في تقديم ذلك. على أن باراك وافق، تحت ضغط الولايات المتحدة، على الوفاء بتعهد الانسحاب حتى خطوط 4 حزيران 1967، مع تغييراتٍ طفيفة. قدم الرئيس الأمريكي كلينتون للرئيس الأسد اقتراحاً إسرائيلياً بالانسحاب حتى خطوط 4 حزيران استناداً إلى حدود يتفق عليها الطرفان وفقاً للخريطة المبينة هنا. كان هذا الاقتراح منسجماً مع اتفاقاتٍ سابقة تم التوصل إليها مع السوريين. لكن الأسد رفض الاقتراح. توفي حافظ الأسد في 10 حزيران 2000 وحل محله ابنه بشار. وأما المسار السلمي السوري الإسرائيلي فتراجع عن واجهة الأحداث.

بعد أن عارضت سورية العراق عام 1991 (غزو الكويت) وتعاونت مع الولايات المتحدة عادت إلى التعاون مع صدام حسين في الحرب العراقية عام 2003. وبعد الحرب استضافت سورية المنفيين العراقيين، ومن الواضح أنها قدمت المأوى للجماعات المتمردة. تزايد عدم رضا الولايات المتحدة عن دور سورية، الحقيقي أو المزعوم، في التمرد العراقي وبدأ مسؤولو الإدارة الأمريكية يضغطون على سورية لمنع المتمردين العراقيين من عبور حدودها إلى العراق وللكف عن دعم الجماعات الإرهابية، بما فيها حزب الله اللبناني وحماس، التي لها مقرات في دمشق. وفي 12 كانون الأول 2003 وقع الرئيس بوش على قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان لعام 2003. دعا القانون إلى اتخاذ إجراءات في حق سورية إذا لم تكف عن دعم الإرهاب وإذا لم تنسحب من لبنان. واصلت الإدارة الأمريكية الضغط على سورية؛ وبعد تدخل سورية في انتخابات الرئاسة اللبنانية، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الداعي إلى انسحاب سورية من لبنان. نفذت سورية القرار ظاهرياً فسحبت جميع قواتها من لبنان بحلول شهر نيسان 2005 عقب اغتيال السياسي اللبناني واسع الشعبية رفيق الحريري. لكن عمليات اغتيال الناشطين ضد سورية في لبنان تواصلت.

تجدد إشارات السلام من جانب سورية ـ عقب إقرار قانون محاسبة سورية في الولايات المتحدة أعلنت سورية أنها مستعدة لتجديد المفاوضات مع إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام، وذلك من غير شروطٍ مسبقة. لكنها قالت إن من الواجب استئناف المفاوضات من حيث توقفت. كررت سورية هذه الدعوة مرات كثيرة خلال تشرين الثاني 2004. كانت العبارة المطروحة في بعض الأحيان هي التفاوض "دون شروط" وفي أحيان أخرى دعا السوريون إلى مفاوضات "دون شروط قائمة على وديعة رابين" (أي وعد إسحاق رابين بالانسحاب حتى خطوط وقف إطلاق النار عام 1949). كانت استجابة إسرائيل لهذه البوادر باردة لأن الولايات المتحدة لم تضغط عليها من أجل استئناف المفاوضات ولأن حكومة الرئيس الأسد واصلت إيواء حزب الله وجماعات "المقاومة" الفلسطينية. ومع أن الرئيس الإسرائيلي كتساف دعا إلى التقاط مبادرة السلام السورية فقد أصر رئيس الوزراء آرييل شارون ووزير خارجيته على أن على سورية، قبل بدء المحادثات، أن توقف الدعم الذي تقدمه للمنظمات الإرهابية. اغتالت إسرائيل القيادي في حماس عز الدين الشيخ خليل في سورية يوم 26 أيلول 2004. والظاهر أنها حاولت أيضاً في كانون الأول اغتيال قائد آخر في حماس في دمشق.

وفاة ياسر عرفات

توفي رئيس السلطة الفلسطينية، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية منذ زمن طويل، ياسر عرفات في 11 تشرين الثاني 2004 تاركاً خلفه مستقبلاً غير واضح. ثمة بعض المؤشرات إلى أن وفاة عرفات فتحت إمكانيات جديدة من أجل السلام، وكذلك من أجل الإصلاح والديمقراطية في السلطة الفلسطينية.

بدأ التحضير للانتخابات الفلسطينية بطريقة منظمة؛ وكان محمود عباس أبرز المرشحين. وأعلن قائد كتائب شهداء الأقصى مروان البرغوثي، السجين لدى إسرائيل بسبب صلته بكثير من الهجمات الإرهابية، عن ترشيح نفسه بصفته مرشحاً مستقلاً. لكنه سحب ترشيحه أواسط شهر كانون الأول تحت ضغط من حركة فتح. تكررت وعود عباس خلال حملته الانتخابية بمواصلة القتال من أجل الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ومن أجل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. لكنه قال لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية إن الانتفاضة العنيفة كانت خاطئة وإن على الفلسطينيين السعي إلى تحقيق أهدافهم بالوسائل الدبلوماسية. وجرى تقليل التحريض ضد إسرائيل في الإعلام الفلسطيني بتوجيهاتٍ صدرت عن عباس. لم تقع خلال هذه الفترة هجمات عنيفة ناجحة ضد المدنيين داخل إسرائيل؛ لكن جرى إطلاق قذائف الهاون على المستوطنات الإسرائيلية في غزة إضافةً إلى قيام إرهابيين بنسف نقطة حدودية عسكرية إسرائيلية عند الحدود بين غزة ومصر. واصلت إسرائيل اعتقال قادة الإرهابيين الفلسطينيين واغتيالهم وواصلت احتلال مدن الضفة الغربية وشن الغارات على بعض الأهداف في غزة رداً على ما يقوم به الفلسطينيون، كما واصلت هدم البيوت وتخريب كروم الزيتون ومضايقة الفلسطينيين عند حواجز التفتيش. قتل كثير من الأطفال الفلسطينيين في هذه الغارات. وقد وجهت انتقادات إلى الجيش الإسرائيلي في إسرائيل والخارج بسبب لامبالاته بأرواح المدنيين وباحتمال ارتكابه جرائم حرب.

العلاقات مع مصر ـ بعد وفاة عرفات تحسنت العلاقات الإسرائيلية المصرية وخاطب الرئيس المصري حسني مبارك رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون بكلماتٍ دافئة. وفي أوائل كانون الأول أطلقت مصر سراح الإسرائيلي عزام عزام الذي مضت عليه ثمانية أعوام في السجن بسبب اتهامه بالتجسس، وهو اتهام ينكره عزام. وفي الوقت عينه أطلقت إسرائيل سراح ستة طلاب مصريين اتهموا بالتآمر لقتل جنود إسرائيليين. وفي وقتٍ لاحق أطلقت إسرائيل سراح عدد من السجناء الفلسطينيين في "بادرة تجاه مصر" رغم ما قيل عن عدم وجود صلة بين الإجراءات المصرية والإسرائيلية. وفي أواسط كانون الأول وقعت كل من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة معاهدة المناطق الصناعية المؤهلة التي تمنح مصر مزايا تجارية في الولايات المتحدة الأمريكية لقاء المشاريع المشتركة بين مصر وإسرائيل. قام وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس المخابرات المصرية عمر سليمان بزيارة القدس. ورغم تحسن العلاقات لم تعد مصر سفيرها إلى إسرائيل بعد أن استدعته في أعقاب انفجار أحداث العنف عام 2000.

عباس يخلف عرفات

تم انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية في 9 كانون الثاني 2005 إذ حصل على 61% من الأصوات. ونال أهم منافسيه، مصطفى البرغوثي، 20%. ومع مشاركة أكثر من 60% ممن يحق لهم الانتخاب، رغم الصعوبات الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي ومقاطعة الانتخابات من قبل الجماعات الإسلامية. وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش الدعوة إلى عباس بزيارة واشنطن بعد سنواتٍ طويلة من امتناع البيت الأبيض عن استقبال أي زعيم فلسطيني. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون أنه يعتزم الاتصال بعباس والتخطيط لعقد اجتماع بينهما.

حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل ـ بسبب عدم رضا اليمين الإسرائيلي عن خطة فك الارتباط التي طرحها رئيس الوزراء آرييل شارون قرر الحزب الوطني الديني ترك الحكومة وحاول أعضاء منشقون من حزب الليكود الحاكم بزعامة شارون منع تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب العمل. جرى إخراج حزب الوسط شينوي من الحكومة وتم تشكيل تحالف مع حزب العمل الإسرائيلي وحزب التوراة الموحد. فازت الحكومة الجديدة بثقة الكنيست بفارقٍ بسيط (58 مقابل 56) مع امتناع عدد من نواب حزب الليكود عن التصويت.

مؤتمر شرم الشيخ ـ دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد انتخابه جميع الفصائل الفلسطينية لإنهاء العنف والتفاوض على اتفاقية هدنة وتم نشر قوات الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة مع أوامر واضحة بمنع الهجمات الإرهابية. اتفقت الأطراف على عقد مؤتمر قمة تستضيف مصر في شرم الشيخ يوم 8 شباط 2005. وفي ذلك المؤتمر الذي حضره الملك الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري مبارك إضافةً إلى الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني، أعلن الجانبان إنهاء العنف. وقالت التقارير الصحفية إن إسرائيل ستطلق سراح أكثر من 900 سجين فلسطيني وتنسحب تدريجياً من المدن الفلسطينية. وأعلنت مصر والأردن عن إعادة سفيريهما إلى إسرائيل. اعتبرت الانتفاضة منتهية من الوجهة الرسمية. لكن، وعلى غرار ما كان يحدث بعد القمم التي من هذا النوع، سرعان ما تحطمت آمال السلام بفعل تفجير انتحاري في تل أبيب يوم 25 شباط كان من الواضح أن حركة الجهاد الإسلامي التي تسيطر عليها دمشق هي من ارتكبه. أعلنت إسرائيل تجميد التسليم المخطط للمدن الفلسطينية إلى قوات الأمن الفلسطينية. أدان محمود عباس التفجير وقامت السلطة الوطنية الفلسطينية ببعض الاعتقالات.

قرار فك الارتباط ـ بُعيد مؤتمر شرم الشيخ، وافق الكنيست الإسرائيلي على خطة فك الارتباط ثم وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية يوم 20 شباط. دعت هذه الخطة إلى إخلاء من جانب واحد لإحدى وعشرين مستوطنة في غزة وأربع مستوطنات في الضفة الغربية مع حلول صيف 2005. وكان من المفترض أن يجري تنسيق فك الارتباط مع السلطة الفلسطينية. وقد وعد محمود عباس الذي كان رئيساً للوزراء في ذلك الوقت بالمساعدة على ضمان الهدوء أثناء إخلاء المستوطنات.

مؤتمر لندن ـ عقد في لندن يوم 1 آذار 2005 مؤتمر استضافته بريطانيا. كان هدف المؤتمر تنظيم الدعم المالي للحكومة الفلسطينية والمساعدة في تنظيم قوات الأمن الفلسطينية. لم تحضر إسرائيل هذا المؤتمر ولم يتم التعرض المباشر للقضايا الثنائية. لكن الرئيس الفلسطيني عباس قال إن إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام هدفان يتصدران أولويات الفلسطينيين.

مؤتمر القاهرة والتهدئة ـ اجتمعت الجماعات المقاتلة الفلسطينية في القاهرة أواسط شهر آذار ووافقت على التهدئة التي كانت أقل من هدنة. بدأت تحركات حماس والجهاد الإسلامي من أجل الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وأعلنت حماس اعتزامها المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني المقرر إجراؤها في أيار. انسحبت إسرائيل من أريحا؛ ثم انسحبت من طول كرم بعد أسبوع. أوقفت إسرائيل انسحابها من مدينة فلسطينية ثالثة في ذلك الشهر لأنها زعمت أن السلطة الفلسطينية لم تكن تقوم بنزع أسلحة الإرهابيين وفقاً لما تنص عليه خطة الطريق. واصلت إسرائيل خلال هذه الفترة اعتقال مقاتلين يقومون بالتخطيط لشن هجمات أو بتهريب الأسلحة؛ لكن قوات السلطة الفلسطينية قامت أيضاً برصد وإجهاض نشاطات إرهابية. وفي نهاية آذار قام مقاتلون متمردون من كتائب شهداء الأقصى بإطلاق النار على مقر عباس في رام الله بسبب سخطهم إزاء التغيرات في السلطة الفلسطينية. ورغم إعلان السلطات انتهاج سياسة متشددة مع المتطرفين أعاد عباس حساباته وقرر محاولة تلطيف الاختلافات. وقد استقال رئيس المخابرات الفلسطينية في الضفة الغربية توفيق الطيراوي بسبب ضعف الجهود المبذولة من أجل تحقيق سيادة القانون، كما كتب يقول.

القمة العربية واقتراح السلام ـ تجاهلت القمة العربية المنعقدة في الجزائر معظم القضايا الملحة في العالم العربي ورفضت مبادرة سلام جديدة قدمها ملك الأردن عبد الله. وبدلاً من ذلك كررت القمة دعمها لمبادرة السلام السعودية التي اعتمدتها قمة بيروت عام 2002 ورفضتها إسرائيل. وقد أشارت إسرائيل إلى أن هذه المقترحات غدت قديمة الآن بفعل التغيرات التي طرأت على واقع الشرق الأوسط.

النقاط العسكرية غير الشرعية ـ في آذار 2005 وافقت الحكومة الإسرائيلية على تقرير عن النقاط العسكرية جرى إعداده من قبل تاليا ساسون بناءً على طلب من الحكومة. يتحرى التقرير أوضاع عدد كبير من النقاط العسكرية غير الشرعية التي تمت إقامتها في الضفة الغربية من غير موافقة رسمية أو تفويض حكومي بعد آذار 2001. ثمة 20 – 30 نقطة عسكرية كان من المفترض إخلاؤها بموجب خريطة الطريق. وقد فشلت قرارات ومحاولات حكومية متكررة لإخلاء هذه النقاط. شكلت الحكومة لجنة لدراسة التقرير، لكنها لم تتخذ أي إجراء.

الجدل بشأن المستوطنات ـ كان الفلسطينيون مستائين من تواصل بناء السياج الأمني الذي يعزل أحياء فلسطينية في القدس، وكذلك من الخطط الإسرائيلية المعلنة لبناء عدة آلاف من الوحدات السكنية الجديدة في المنطقة (E1) قرب مستوطنة معالي أدوميم شرقي القدس. إن مستوطنة معالي أدوميم تقع ضمن أراضي إسرائيل بموجب اتفاقية جنيف، لكن خريطة الطريق تمنع البناء في المستوطنات. وفي رسالة بعثها إلى آرييل شارون رداً على إعلان شارون رسمياً عن خطة فك الارتباط، قال الرئيس بوش إن على حدود الاستيطان النهائية أن تأخذ في حسبانها التغيرات الناجمة عن ارتفاع كثافة السكان الإسرائيليين في المناطق المحتلة. لعل الإعلان الإسرائيلي كان مصمماً من أجل اختبار هذا التصريح ومن أجل تعزيز شعبية شارون الواسعة في أوساط مؤيدي اليمين الإسرائيلي. في البداية، شجب كل من وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس والسفير دان كورتزر التصريح الإسرائيلي. وقد أثار رد فعلهما سخط منتقدي شارون اليمينيين وسخط رئيس الوزراء السابق إيهود باراك الذي زعم أن هذا دليل على عدم قيمة الوعود الأمريكية. غير كورتزر ورايس أقوالهما وأنكرا وجود خلاف في الرأي مع الإسرائيليين فيما يخص خطط الاستيطان.

الحركة من غير اتجاه ـ خلال شهري نيسان وأيار زار الرئيس الأمريكي كل من آرييل شارون ومحمود عباس. كانت هذه الزيارة كبيرة الأهمية من الناحية الرمزية لأنها دليل على أن الولايات المتحدة أنهت عزلة السلطة الفلسطينية التي بدأت عندما فشل عرفات في اتخاذ أي إجراء ضد الإرهابيين. وعد الرئيس بوش الفلسطينيين بمساعدات مباشرة بقيمة 50 مليون دولار إضافةً إلى مبالغ أكبر مخصصة لتقديم المساعدة من خلال المنظمات غير الحكومية. وصرح بوش أن خطوط هدنة 1949 هي أساس أي اتفاق. أثارت هذه النقطة الأخيرة جدلاً في إسرائيل لسببٍ ما، ومن ثم اتضح أنها متفقة مع صياغة الرسالة التي سلمها بوش إلى شارون في نيسان 2004. وبرغم ذلك الصخب كله، لم ينتج عن اجتماع بوش مع شارون أو مع عباس أي تغير واضح في عدم استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين أو في عدم استعداد الفلسطينيين لاتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الإرهاب من خلال اعتبار الجماعات الإرهابية خارجة على القانون وتجريد الإرهابيين من أسلحتهم ومكافحة هجماتهم مكافحة فعالة واعتقال المطلوبين وجمع الأسلحة غير الشرعية. أطلق الإسرائيليون سراح نحو 400 سجين فلسطيني كبادرة حسن نية تجاه عباس. وكان من بين هؤلاء، للمرة الأولى، سجناء "تلطخت أيديهم بالدم" ممن شاركوا في هجمات سقط فيها قتلى أو جرحى. لكن الفلسطينيين قللوا من شأن هذه البادرة واعتبروها عديمة المعنى لأن معظم هؤلاء السجناء شارفوا على إنهاء أحكامهم ولأن عدداً ضخماً من السجناء ما يزال في سجون إسرائيل. وأشار الفلسطينيون إلى أن إسرائيل لم تطلق سراح أي سجين معتقل منذ ما قبل عام 1994؛ وبالتالي فإن السجناء المطلق سراحهم لا يحققون الشروط المتفق عليها في شرم الشيخ.

استمرت الهجمات الفلسطينية الفاشلة والناجحة، وخاصةً باستخدام الصواريخ وقذائف الهاون التي تستهدف مستوطنات غزة وبلدات منطقة النقب. سافر الرئيس عباس إلى غزة وحصل على التزام غير متحمس من قبل الفصائل المتطرفة باحترام التهدئة طالما احترمتها إسرائيل؛ لكن هذا لم يحل دون تواصل الهجمات الفلسطينية والانتقامات الإسرائيلية واعتقال المطلوبين. ألقت إسرائيل القبض على انتحاري فلسطيني يبلغ 15 عاماً عند حاجز تفتيش في الضفة الغربية، ثم ألقت القبض في وقت لاحق على شابة كانت في طريقها إلى تنفيذ هجمة انتحارية ضد مستشفى إسرائيلي. وكانت كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح هي من أرسلها. تقول الإحصائيات الفلسطينية إن إسرائيل قتلت 40 فلسطينياً في تلك الفترة وجرحت 411 واعتقلت نحو 1000 مدني كان سبب اعتقال معظمهم هو تجاوز مدة تصريح الإقامة في إسرائيل. كان أكثر القتلى من الرجال المطلوبين أو ممن في سبيلهم إلى شن هجمات إرهابية. وفي أواخر حزيران وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس فاجتمعت مع الجانبين وأعلنت أنهما وافقا على تدمير المنازل في مستوطنات غزة بعد انسحاب إسرائيل.

وفي 21 حزيران 2005 اجتمع شارون وعباس في قمة طال انتظارها. لكن هذه القمة لم تسفر عن أي نتيجة ظاهرة إلا تصريح آرييل شارون بأنه حصل على موافقة الفلسطينيين على تنسيق عملية الانسحاب من غزة. لن تقدم إسرائيل أي تنازلات فيما يخص الأمن إلا إذا تحرك الفلسطينيون ضد الإرهابيين، ولن يتخذ الفلسطينيون أي إجراء حاسم ضد الإرهابيين. لم يصدر أي إعلان عن القمة. وأعلنت القيادة الفلسطينية عن عدم رضا عميق. قال الفلسطينيون إن عدداً كبيراً من الإرهابيين المطلوبين أعلنوا استعدادهم للانضمام إلى الشرطة الفلسطينية في حين قال الإسرائيليون إنهم أقنعوا وكالة المساعدات الأمريكية (US AID) بتقديم 500 مليون دولار إلى المستشفيات الفلسطينية على شكل معدات طبية. أما من ناحيتها، فقد أنهت الولايات المتحدة الحظر الذي فُرض منذ 18 شهراً على الزيارات الدبلوماسية إلى غزة عندما قتل موظفو إغاثة في هجومٍ إرهابي. وعند ذلك استؤنفت زيارات الدبلوماسيين الأمريكيين إلى غزة.

ومع عودة العنف بعد القمة، شنت إسرائيل غارات جوية ضد منصات إطلاق الصواريخ في غزة فقتلت كثيراً من إرهابيي حركة الجهاد الإسلامي وأعلنت أنها سوف تستأنف سياسة استهداف قادة هذه الجماعة الإرهابية بالقتل.

وفي فلسطين تواصلت المظاهرات (بل حتى الهجمات المسلحة) ضد القيادة الفلسطينية. وواصلت شعبية حماس ارتفاعها (وهي الآن تعتزم خوض الانتخابات التشريعية)، ولعلها ازدادت بفعل اجتماعات، فعلية أو من صنع الشائعات، جرت بين مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وبين ممثلين من حماس، وبفعل وجود دعوات متكررة في الولايات المتحدة من أجل الاعتراف بحماس. دعا رئيس الوزراء البريطاني والرئيس عباس حماس إلى وقف العنف والانضمام إلى العملية السلمية، لكن حماس رفضت في البداية مع قبولها بهدنة قصيرة المدى. أعلن الرئيس عباس عن تأجيل الانتخابات التشريعية عدة أشهر من أجل تعديل قانون الانتخابات. وفي أوائل شهر أيلول وجه عباس الدعوة إلى حماس والجهاد الإسلامي للانضمام إلى حكومة وحدة وطنية.

يعزى الاستعصاء الذي شهدته هذه الفترة إلى عوامل كثيرة. لم يكن أي جانب يملك القوة السياسية الكافية لتقديم تنازلات فيما يخص قضايا الحل النهائي. لا معنى لتلك المفاوضات مع إصرار شارون على عدم إمكانية تقسيم القدس ومع إصرار عباس على أن تكون القدس عاصمة للفلسطينيين وعلى عدم تقديم أي "تنازل" فيما يخص عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل. كان على عباس تحقيق الفوز لحركة فتح في الانتخابات التشريعية وما كان قادراً على فعل أي شيء يمكن أن يستعدي المتعاطفين مع المتطرفين. ومن ناحيةٍ أخرى كان شارون قد بذل كل ما لديه من أجل عملية فك الارتباط في غزة فما عاد قادراً على توفير أي دعم سياسي لتنازلات أخرى. فإن حدث عنف فلسطيني بعد تقديم أي تنازل، فقد يستخدم ذريعة إيقاف تنفيذ فك الارتباط. ومع تواصل الهجمات الفلسطينية على المستوطنات وتواصل تحريض اليمين الإسرائيلي ضد خطة فك الارتباط، تراجع تأييد الإسرائيليين للانسحاب من أكثر من 65% إلى نحو 50%. لكن رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد دان حالوتس أشار إلى أن الأحداث العسكرية العارضة لن توقف فك الارتباط. يمكن وقف فك الارتباط من خلال قرار سياسي فقط. وقد هددت إسرائيل أيضاً بأنها ستتخذ، عند الضرورة، إجراءات حاسمة لضمان عدم تعرض المستوطنين والجنود للهجمات خلال عملية الإخلاء.

الاحتجاجات على فك الارتباط ـ نفذ المستوطنون المحتجون على فك الارتباط احتجاجات متزايدة الشدة تضمنت قطع طرق في إسرائيل وأعمال عنف ضد الفلسطينيين والشرطة وجنود الجيش الإسرائيلي، وكذلك دعوات إلى الجنود تحثهم على رفض المشاركة في إخلاء المستوطنين. وفي نهاية حزيران حاول مؤيدو المستوطنين (الذين اتخذوا مسكناً لهم في فندق ماوز يام المهجور في غزة) الاستيلاء على منازل فلسطينية وهاجموا شاباً فلسطينياً عمره 18 عاماً. داهمت الشرطة الإسرائيلية الفندق وأخرجت المستوطنين بالقوة. وفي 13 تموز، أغلقت الحكومة الإسرائيلية قطاع غزة أمام مواطنين إسرائيليين من غير سكان المستوطنات كانوا يعتزمون القيام بمسيرة نظمها مجلس المستوطنات.

انتهاء الهدنة ـ في 13 تموز قام إرهابي من حركة الجهاد الإسلامي من طول كرم بتفجير انتحاري في نتانيا نتج عنه قتل خمسة أشخاص. احتل جيش الدفاع الإسرائيلي مدينة طول كرم واعتقل كثيراً من أعضاء الجهاد الإسلامي وقتل شرطياً فلسطينياً فتح النار على الجيش الإسرائيلي. انتقمت حماس في غزة بأن أمطرت مستوطنات غزة والبلدات الإسرائيلية بسيل من الصواريخ نجم عنه مقتل شخص واحد. ورداً على هذا شن جيش الدفاع هجمات صاروخية في غزة وطارد قادة عسكريين من حماس في منطقة الخليل مما أدى إلى قتل 8 أو أكثر من أعضاء حماس، وقد قتل بعضهم وهم يهمون بإطلاق صواريخ جديدة. وفي 15 تموز اندلعت معركة عنيفة بين قوات السلطة الفلسطينية التي كانت تحاول استعادة النظام وبين عناصر حركة حماس في غزة. قتل مدنيان فلسطينيان في هذه المعركة.

تنفيذ خطة فك الارتباط ـ بدأت إسرائيل إخلاء مستوطنات غزة وأربع مستوطنات في الضفة الغربية في يوم 15 آب، وانتهت من ذلك في 24 آب. ورغم تهديد الجماعات الصهيونية اليمينية بالمظاهرات بوقوع حرب أهلية جرت عملية الإخلاء من غير وقوع حوادث عنف هامة. أشعلت امرأة النار في نفسها احتجاجاً ثم توفيت بسبب جراحها. وألقى بعض المحتجين على رجال الشرطة مواد غير معروفة يمكن أن تكون مكونة من الدهان والتربنتين والصودا الكاوية. وبعد إنهاء عملية الإخلاء قتل جيش الدفاع الإسرائيلي في طول كرم خمسة مطلوبين من الجهاد الإسلامي. جرى إنجاز فك الارتباط قبل الموعد المحدد. ومع انسحاب الإسرائيليين راحت تظهر دلائل متزايدة على الفوضى الوشيكة. جرى اغتيال المسؤول السابق في السلطة الفلسطينية موسى عرفات (قريب ياسر عرفات) على أيدي فلسطينيين يحتجون على الفساد. وفي 11 أيلول خرج من غزة آخر جندي إسرائيلي. وجرى تسليم المستوطنات رسمياً إلى الفلسطينيين يوم 12 أيلول.

وعلى الأثر، افتتح معبر بين غزة ورفح المصرية لضمان عدم انقطاع غزة عن العالم. وكان ممثلون عن مصر والاتحاد الأوروبي والفلسطينيين يراقبون حركة المرور على المعبر لمنع تهريب الأسلحة. لكن الإسرائيليين يزعمون أن الفلسطينيين يقومون بتهريب كميات كبيرة من الأسلحة. وتحت ضغط الولايات المتحدة وافقت إسرائيل على ضمان ممر آمن بين غزة والضفة الغربية باستخدام الحافلات؛ لكنها لم تنفذ ذلك. استمر إطلاق صواريخ القسام على سديروت، وصارت تسقط الآن أيضاً على عسقلان الواقعة إلى الشمال من غزة. وكانت إسرائيل ترد على الصواريخ بالغارات الجوية، كما أقامت منطقة عازلة.

وفي 4 كانون الثاني 2006، أصابت آرييل شارون نوبة قلبية شديدة تركت قيادة إسرائيل وحزب كاديما المشكل حديثاً بين يدي إيهود أولمرت. بدا على أولمرت أنه يتخذ إجراءات شديدة ضد مخالفة المستوطنين القانون، وقد شجب أيضاً تخريب كروم الزيتون ودعا إلى إخلاء النقاط العسكرية غير الشرعية. وفي أواخر كانون الثاني نشأت مواجهة بين جيش الدفاع الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية وبين المستوطنين الذين تسللوا إلى السوق العربي في الخليل وقاموا بتخريب المنازل فيه. قام المستوطنون بطرد العرب زاعمين أن الأرض ملك لليهود الياشيفا وأنهم ورثتهم الشرعيون. لكن الجيش لم يسمح لهم باحتلال تلك المنازل. وبعد مواجهة درامية ظهر التراجع على الحكومة فوافقت على إخلاء هؤلاء المستوطنين سلماً مقابل وعدهم بأنهم سوف يستطيعون العودة إلى تلك المنازل قريباً (بشكل قانوني).

نصر حماس ـ في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 26 كانون الثاني 2006 فازت حركة حماس الراديكالية محققةً نصراً كاسحاً على حركة فتح. فازت حماس بنحو 74 من أصل 133 مقعداً في المجلس التشريعي الفلسطيني. أما الحركات التي قادت الفلسطينيين قرابة أربعين عاماً، أي فتح ومنظمة التحرير، فقد بدا أنها في طريقها إلى مواقع المعارضة. وبموجب الدستور الفلسطيني يظل محمود عباس رئيساً متمتعاً بصلاحيات واسعة. تعهد قادة أوروبا والولايات المتحدة بعدم التفاوض مع حماس وعدم تقديم المساعدات إلى الفلسطينيين حتى توافق حماس على نزع سلاحها والاعتراف بإسرائيل. صدرت عن الناطقين باسم حماس إشارات متضاربة، لكنهم تعهدوا بعدم الاعتراف بإسرائيل أبداً وبعدم التخلي عن مطالبتهم بفلسطين كلها، وذلك رغم اتضاح أن أغلبية الفلسطينيين تريد منهم انتهاج طريق السلام. أدت الحكومة التي شكلتها حماس اليمين يوم 29 آذار 2006. ورفضت فتح الانضمام إلى التحالف الحكومي لأن حماس لم تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً للشعب الفلسطيني ولم توافق على الالتزام بالاتفاقيات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، بما في ذلك اتفاقيات أوسلو التي تعترف بوجود إسرائيل وتشكل أساس شرعية السلطة الفلسطينية.

الانتخابات الإسرائيلية ـ أجريت الانتخابات الإسرائيلية يوم 28 آذار 2006 وفاز فيها حزب كاديما بقيادة إيهود أولمرت بتسعة وعشرين مقعداً فتقدم على جميع الأحزاب الأخرى في حين لم يفز حزب الليكود اليميني الذي كان في الحكم سابقاً إلا باثني عشر مقعداً مما كان إيذاناً بانتهاء هيمنة إيديولوجية المستوطنين على السياسة الإسرائيلية.

حماس في الحكم ـ علق المجتمع الدولي المساعدات المقدمة إلى الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس الآن مما سبب أزمة مالية حادة. حررت روسيا وإيران مبالغ من أجل استخدامها من قبل حماس؛ وراح سياسيو حماس يقومون بتهريب الأموال إلى غزة تحت أعين المراقبين الأوروبيين في رفح، وذلك من أجل دفع رواتب الموظفين ورواتب قوات الأمن الفلسطينية. وافق المانحون الدوليون أخيراً على آلية لتقديم الأموال من خلال منظمات حكومية غير فلسطينية وعلى دفع الرواتب مباشرةً للموظفين. وفي 24 حزيران أعلن مانحون أوروبيون عن حزمة مساعدات بقيمة 105 مليون يورو يجري توزيعها بهذه الطريقة. لكن، مع نهاية شهر حزيران كان من الواضح أن الفلسطينيين لم يتلقوا إلا جزءاً من رواتبهم، وذلك من المبالغ التي هربتها حماس إلى غزة.

شكلت حماس ميليشيا أمنية جديدة برئاسة جميل أبو سمهدانة، زعيم لجان المقاومة الشعبية الفلسطينية. لكن الرئيس عباس أعلن عدم شرعية هذه القوة الأمنية فأنشأ ميليشيا أخرى يستند قوامها إلى فتح. انفجر القتال بين حماس وفتح وتضمن قتل واختطاف مسؤولين من الجانبين. صارت الحياة في غزة فوضوية على نحوٍ متزايد ووثقت المنظمات الحقوقية الفلسطينية حدوث سلسلة مستمرة من أحداث العنف السياسي والإجرامي والقتل العشوائي. قتل جميل أبو سمهدانة في غارة جوية إسرائيلية أوائل شهر حزيران؛ والظاهر أن مقتله حدث أثناء إشرافه على التدريب على عملية إرهابية.

واصل الفلسطينيون إمطار البلدات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر بسيلٍ شبه يومي من صواريخ القسام، وخاصةً بلدة سديروت الصغيرة. وفي الوقت عينه واصلت إسرائيل الاعتقالات والاغتيالات التي تستهدف قادة الإرهابيين إذ زعمت أنهم يخططون لهجمات جديدة. وبالمقابل، تعهدت حماس والجهاد الإسلامي بالثأر لهم.

سقط نحو 1000 صاروخ قسام حتى حزيران 2006. صارت تلك الصواريخ تزداد حجماً ومدى، وقتلت هجماتها 9 – 11 شخصاً من بينهم خمسة من سكان سديروت. ردت إسرائيل بنيران المدفعية التي استهدفت الحقول الفارغة، وكذلك بأسلحة الحرب النفسية؛ ثم عمدت إلى مهاجمة مواقع إطلاق الصواريخ. وفي توقيتٍ شديد القرب من توقيت واحدة من هذه الهجمات، قتل عدد كبير من أفراد إحدى الأسر الفلسطينية على شاطئ غزة، لكن إسرائيل أنكرت أن يكون هجومها سبباً في مقتلهم. وفي 25 حزيران، تماماً عندما أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية عن التوصل إلى اتفاق هدنة مع إسرائيل، هاجمت حماس نقطة حدودية إسرائيلية في كرم أبو سالم فقتلت جنديين وأسرت جندياً. عرضت حماس مبادلة السجناء الفلسطينيين بهذا الجندي. رفضت إسرائيل التفاوض وضربت حصاراً على غزة ثم اجتاحتها في عملية "أمطار الخريف" في محاولةٍ لإجبار الفلسطينيين على إعادة الجندي الأسير حياً وإيقاف إطلاق صواريخ القسام.

وثيقة الأسرى الفلسطينيين ـ في 11 أيار اتفق الأسرى الفلسطينيون من مختلف الفصائل على وثيقة مشتركة تدعو إلى الوحدة الوطنية. دعت الوثيقة إلى حق عودة اللاجئين واستمرار المقاومة العنيفة ضد إسرائيل (إن الدعوة إلى استمرار المقاومة العنيفة تخالف أحكام خطة الطريق من أجل السلام في الشرق الأوسط). ودعت أيضاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود الضفة الغربية وقطاع غزة قبل حرب 1967 وإلى مفاوضات مع إسرائيل يجريها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير محمود عباس. بدت ملامح أزمة وشيكة عندما طلب عباس من حماس قبول هذه الوثيقة أو قبول الاحتكام إلى استفتاء شعبي حولها. وقع عدد من حوادث العنف بين مسلحين من فتح وحماس. ثم وافقت حماس على نسخة معدلة من وثيقة الأسرى مع استمرار تأكيدها على أنها لن تعترف بإسرائيل. إن هذه النسخة المعدلة من الوثيقة تحدّ من قبول منظمة التحرير الفلسطينية التاريخي بقرار مجلس الأمن رقم 242 (الذي يضمن حق جميع الدول في العيش بسلام) من خلال استبعاد أي أحكام من شأنها الإخلال "بالحقوق" الفلسطينية.

هجوم حزب الله ورد إسرائيل ـ عملية العقاب العادل ـ في صبيحة 12 تموز عبر إرهابيو حزب الله الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل وهاجموا دورية عسكرية إسرائيلية فقتلوا ثلاثةً من عناصرها وأسروا اثنين. قتل جندي إسرائيلي آخر في اليوم التالي ثم قتل عدد من الجنود الإسرائيليين عند اصطدام دبابتهم بلغم أرضي أثناء ملاحقتهم عناصر حزب الله. وفي الوقت عينه بدأ حزب الله سلسلة من الهجمات بالصواريخ وقذائف الهوان على شمال إسرائيل. ولعل توقيت هذه الحادثة كان محسوباً لكي يأتي مع اجتماع قمة الثمانية الكبار التي كان منتظراً أن تتناول مسألة البرنامج النووي الإيراني. وقد جرت الحادثة أيضاً على خلفية قتالٍ سابق في غزة.

وعلى الأثر، نفذت إسرائيل قصفاً واسعاً (لكنه انتقائي) على لبنان مستهدفة مخازن الصواريخ ومقرات حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية ومقر تلفزيون المنار؛ وقتلت ما يقدر بنحو 900 شخص كان من بينهم كثير من المدنيين. رد حزب الله بإطلاق آلاف الصواريخ على حيفا وطبريا وصفد وعدد من البلدات الأخرى في شمال إسرائيل فقتل زهاء 40 إسرائيلياً. كما سقط في القتال قرابة 120 جندياً إسرائيلياً. كما أصاب صاروخ من طراز (C-802) حصل عليه حزب الله من إيران سفينة صواريخ إسرائيلية قبالة بيروت فقتل أربعة من عناصرها. وأدت صواريخ حزب الله أيضاً إلى إغراق سفينة كمبودية وإلحاق أضرار بسفينة مصرية. أصدرت قمة الثمانية الكبار المنعقدة في بيتسبرغ بياناً دعت فيه إلى وقف العنف وإلى إعادة الجنود الأسرى والالتزام بقراري مجلس الأمن الدولي 1559 و1680 الداعيين إلى نزع أسلحة الميليشيات.

وبعد تبين عجز الغارات الجوية الإسرائيلية في إيقاف صواريخ حزب الله أو في التوصل إلى قرار مرضٍ من أجل وقف إطلاق النار، نفذت إسرائيل غزواً برياً محدوداً في لبنان ترافقت فيه التحركات المتقطعة غير الحاسمة مع تصريحات هجومية من جانب شخصيات إسرائيلية عامة. تواصلت الجهود من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار يكون مرضياً للطرفين. كانت مطالب إسرائيل الرئيسية هي تطبيق قراري مجلس الأمن 1559 و1680 (أي نزع سلاح حزب الله) ونشر الجيش اللبناني حتى الحدود وانتزاع السيطرة في جنوب لبنان من يد حزب الله، إضافة إلى إعادة الجنديين المختطفين. وقد أرادت إسرائيل والولايات المتحدة أيضاً وجود قوة دولية قوية تشرف على نزع سلاح حزب الله. أما المطالب اللبنانية الرئيسية فتجسدت في خطة من سبع نقاط تضمنت نشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان لكنها لم تتضمن نزع سلاح حزب الله. أصر اللبنانيون أيضاً على إعادة السجناء اللبنانيين الذين تحتجزهم إسرائيل وعلى انسحاب إسرائيلي فوري من الأراضي اللبنانية. وطلب لبنان أيضاً استعادة مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل. كانت الأمم المتحدة قد قررت في عام 2000 أن مزارع شبعا (الواقعة في مرتفعات الجولان) جزء من سورية. أما سورية فقد رفضت في ذلك الوقت ترسيم الحدود مع لبنان، لكنها قالت إنها تؤيد المطالب اللبنانية.

في 11 آب، تصاعد الهجوم الإسرائيلي الذي لم تكن له خطة واضحة عندما بدا أن الجهود الرامية إلى تحقيق وقف إطلاق النار قد باتت في حالة استعصاء. وبدأت القوات الإسرائيلية تتقدم بالقوة باتجاه نهر الليطاني الذي يبعد 30 كم إلى الشمال من الحدود الإسرائيلية اللبنانية. لكن مجلس الأمن الدولي اجتمع في ذلك الوقت وأصدر القرار رقم 1701 الداعي إلى وقف الأعمال القتالية وإلى نشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان، مع صياغة غامضة فيما يخص عدد من المسائل. أوقف الجانبان القتال يوم 14 آب 2006. وأثار سوء الأداء في هذه الحرب عاصفة من الانتقادات في إسرائيل؛ كما أثار الهجوم الإسرائيلي غضباً واسعاً في العالم العربي.

أدانت منظمات حقوق الإنسان الدولية، والأمم المتحدة، إسرائيل بسبب جريمة الحرب المتمثلة في استخدام القنابل العنقودية في جنوب لبنان. لكن الاتفاقيات الدولية لا تحرم استخدام هذه القنابل، وقد استخدمت في نزاعات سابقة. وقد زعمت تلك المنظمات أيضاً أن إسرائيل تستهدف المدنيين عمداً. لكن تقريراً لمنظمةٍ إسرائيلية غير حكومية صدر في كانون الأول وجد أن مقاتلي حزب الله كانوا يختبئون بين السكان المدنيين وأن نحو 700 من القتلى اللبنانيين في هذه الحرب هم من مقاتلي حزب الله. وفي وقتٍ لاحق، أدانت بعض مجموعات حقوق الإنسان (من بينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش) حزب الله أيضاً بسبب الإطلاق العشوائي للصواريخ. لكن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الذي أصدر ثمانية إدانات لإسرائيل خلال عام 2006 امتنع عن إدانة الانتهاكات الفاضحة التي ارتكبها حزب الله أو حركة حماس.

ظل الجنديان الإسرائيليان أسيرين لدى حزب الله. وفي كانون الأول تم الكشف عن أنهما جرحا أثناء أسرهما وأن حالتهما الصحية غير مؤكدة. ظلت الحدود هادئة رغم تواصل عملية إعادة تسليح حزب الله من قبل سورية بخطى حثيثة. وفي 21 تشرين الثاني جرى اغتيال السياسي اللبناني المعادي لسورية بيير الجميل. وفي الأول من كانون الأول، بعد موافقة حكومة فؤاد السنيورة على طلب إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري، انسحب وزراء حزب الله من الحكومة اللبنانية وقامت حشود كبيرة منظمة من أنصار حزب الله بمحاصرة مقر رئاسة الحكومة وإسقاط الحكومة اللبنانية. وقد قيل إن المتظاهرين كانوا يطالبون بتمثيل أنصار حزب الله في الحكومة بنسبة الثلث، أو بتعديل الدستور بحيث يوفر تمثيلاً عادلاً للشيعة، أو بحكومة وحدة وطنية.

العنف في غزة ـ خلال الهجوم الإسرائيلي على لبنان وبعده تواصلت عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي من غير هوادةٍ في غزة مع مواصلة الفلسطينيين إطلاق صواريخ القسام على غربي النقب ومع إصرار حماس على أنها ملتزمة بالهدنة. ظلت حكومة حماس تتلقى المال من إيران والدول العربية. وقد كانت هذه الأموال تدخل غزة تحت أعين المراقبين الأوروبيين غير اليقظة في معبر رفح. هذا في حين تقدر كمية الأسلحة التي جرى تهريبها إلى غزة عبر أنفاقٍ تم حفرها من الجانب المصري من الحدود بنحو 30 طناً. ولم تفعل الحكومة المصرية الشيء الكثير لوقف هذه النشاطات.

وخلال شهري تشرين الأول والثاني أطلق الفلسطينيون كمية كبيرة جداً من صواريخ القسام على غربي النقب وعلى بلدة سديروت خاصةً فقتلوا ثلاثة إسرائيليين. وقد كشفت عملية قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي في رفح عن وجود شبكة واسعة من الأنفاق المستخدمة في التهريب. لكن عمليات الجيش الإسرائيلي في شمال غزة الهادفة إلى إيقاف إطلاق صواريخ القسام توقفت تحت ضغطٍ دولي متزايد مع قتل إسرائيل أكثر من 50 فلسطينياً من بينهم كثير من المدنيين. كانت الغاية من العمليات في شمال غزة وقف إطلاق صواريخ القسام، لكنها لم تحقق أي نتيجة. وفي إحدى الغارات، اختبأ الإرهابيون في مسجد ثم فروا بمساعدة نساء تطوعن بلعب دور الدروع البشرية. قتل جيش الدفاع الإسرائيلي عدداً من تلك النساء. وفي 8 تشرين الثاني، أي عقب الانسحاب الإسرائيلي، أثارت رشقة مكثفة من صواريخ القسام رداً إسرائيلياً عن طريق القصف. لكن القذائف أخطأت هدفها فأصابت حياً سكنياً وقتلت عشرين مدنياً فلسطينياً. وأما المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل إعادة الجندي المختطف جلعاد شاليط فقط ظلت من غير تقدم مع مطالبة الفلسطينيين بإطلاق سراح أكثر من ألف سجين فلسطيني.

الهدنة ـ في 26 تشرين الثاني أعلن الفلسطينيون والإسرائيليون عن هدنة مفاجئة تسري في قطاع غزة فقط. ورغم استمرار صواريخ القسام التي يطلقها الفلسطينيون خلال الأيام التالية لإعلان الهدنة فقد التزمت إسرائيل بها. وفي اليوم الذي أعقب الهدنة، أي 27 تشرين الثاني، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت عن مبادرة دبلوماسية إسرائيلية جديدة تعرض السلام على الفلسطينيين والدول المجاورة بما ينسجم مع مبادرة السلام العربية. كانت تلك هي المرة الأولى التي يشير فيها زعيم إسرائيلي إلى المبادرة العربية إشارة إيجابية. رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بهذه الكلمة، أما زعماء حماس والمتطرفين في إسرائيل فقد رفضوها. ومن الولايات المتحدة، صدر تقرير "مجموعة دراسة العراق" الذي أوصى بمساهمة أمريكية فعالة في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية فأعطى دفعةً للحديث عن المفاوضات السلمية.

تكرر خرق الهدنة في غزة بفعل رشقات من صواريخ القسام على البلدات الإسرائيلية. وزعمت حركة الجهاد الإسلامي المنشقة أنها غير ملتزمة بالهدنة ما لم تشمل الضفة الغربية أيضاً. لكن تبين أن حزب الله كان يدفع آلاف الدولارات مقابل إطلاق كل صاروخ من صواريخ القسام.

أما الحكومة السورية التي كانت تريد استرجاع الجولان وكسر العزلة المفروضة عليها بسبب دورها في العنف في كل من لبنان والعراق وفلسطين فقد عرضت إجراء مفاوضات سلمية مع إسرائيل "من غير شروط مسبقة". لكن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود أولمرت رفض هذا العرض قائلاً إن سورية تواصل دعم المجموعات الإرهابية.

قمة عباس ـ أولمرت ـ في 23 كانون الأول اجتمع أخيراً رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس وأعلنا عن بعض التنازلات من أجل جعل الحياة أكثر سهولة على الفلسطينيين، بما في ذلك الإفراج عن أموال الضرائب التي جمدتها إسرائيل وإزالة عدد من حواجز التفتيش على الطرقات. لكن خطة الإفراج عن السجناء بمناسبة عيد الأضحى ألغيت. وافقت إسرائيل بعد القمة على نقل كمية كبيرة من الأسلحة من مصر إلى جماعة فتح الموالية للرئيس عباس. وألمحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في مؤتمر صحفي إلى مبادرة سلام جديدة. اعتبرت هذه الخطوات محاولات لمساندة الرئيس عباس في صراعه مع حكومة حماس بقيادة إسماعيل هنية.

حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية مرحلة الفوضى ـ بعد صدور وثيقة الأسرى الفلسطينيين تواصلت المفاوضات من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية كان الأمل معقوداً على أن تتمكن من الاعتراف بوجود إسرائيل ووقف العنف ونيل اعتراف الغرب بما يسمح للحكومات الغربية باستئناف تمويل السلطة الفلسطينية. حدد الرئيس عباس مهلة أسبوعين لتشكيل الحكومة، ثم جرى تأجيل الموعد، ثم جرى نسيانه؛ ثم انتهت المفاوضات بالفشل. وفي 16 كانون الأول أعلن محمود عباس حل الحكومة والدعوة إلى انتخابات جديدة إلا إذا وافقت حماس على قيام حكومة وحدة وطنية. لكنه لم يحدد موعداً لإجراء تلك الانتخابات. أدى هذا الطرح إلى تجدد العنف بين الفصائل الفلسطينية إذ راحت حماس تتهم فتح بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء إسماعيل هنية. فشلت محاولة لإقامة هدنة بين الجانبين، وتم إغلاق المدارس في غزة بسبب تزايد الفوضى. لكن الجانبين توصلا تحت رعاية سعودية في 8 شباط 2007 إلى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية. لم ينص الاتفاق صراحةً على إعلان الاعتراف بإسرائيل أو على تلبية مطالب اللجنة الرباعية في نزع سلاح الميليشيات المسلحة. ثم عقدت قمة ثلاثية بين محمود عباس وإيهود أولمرت ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في 19 شباط، لكنها فشلت في زحزحة عباس عن موقفه أو في الحصول على تنازلات لصالح الفلسطينيين.

أعمال الإنشاء في جبل الهيكل/الأقصى تطلق شرارة الشغب ـ بدأت إسرائيل إعادة بناء جسر قرب المسجد الأقصى في القدس وفق مسار جديد. كان الجسر قد انهار في عام 2004. وكان المسار الجديد يمر على بعد 80 متراً من الأقصى. ورغم موافقة الوقف الإسلامي على المشروع في البداية عاد الشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة الإسلامية في إسرائيل، فزعم أن هذه الأعمال الإنشائية تلحق الضرر بالمسجد وهدد ببدء انتفاضة جديدة. أنكرت إسرائيل أن هذه الأعمال ضارة بالمسجد. وبعد احتجاجات جرت في العالمين العربي والإسلامي علقت إسرائيل العمل في ذلك الجسر لكنها واصلت عمليات التنقيب الأثري. نصبت إسرائيل كاميرات متصلة بالإنترنت من أجل إظهار ما تقوم به من عمليات ودعت الحكومة التركية إلى تفتيش الموقع. أعلنت تركيا وفريق من اليونسكو أن الأعمال التي قامت بها إسرائيل لم تسبب أي أذى، لكن فريق اليونسكو طلب من إسرائيل وقف الأعمال حتى يمكن وضعها تحت إشراف دولي. وفي تموز أعلنت السلطات الإسرائيلية إلغاء المشروع.

تفكك السلطة الفلسطينية ـ تواصلت حوادث معزولة نتج عنها إصابات بين المدنيين، إضافةً إلى اشتباكات بين مناصري كل من حماس وفتح، ثم تفاقم الوضع في غزة في عام 2006 وفي الجزء الأول من عام 2007. وترافق ذلك كله مع إطلاق يومي لصواريخ القسام على بلدة سديروت. وتضمنت حالة الفوضى قتل عدد من الفلسطينيين واختطاف فلسطينيين وأجانب. جرى اختطاف مراسل هيئة الإذاعة البريطانية ألان جونستون على يد جماعة طرحت مطالب متنوعة. وزعمت الحكومة الفلسطينية أنها غير قادرة على تحريره. لكن حماس حررته فعلاً في 4 تموز في عملية وصفها الناطق باسم فتح ياسر عبد ربه بأنها "مسرحية مرتبة".

وفي حزيران 2007 اندلع قتال شديد بعد ما قيل من قيام ناشطين من فتح بإطلاق قنبلة ذات دفع صاروخي إلى داخل منزل رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، وهو أيضاً زعيم حركة حماس في غزة. انتقمت قوات حماس بمهاجمة ناشطي فتح الذين يفوقونها عدداً وبمهاجمة الشرطة الفلسطينية التابعة لفتح وبقية القوات الحكومية في غزة. ورغم أن قوات حماس تقدر بأقل من 3000 مقاتل في حين يفترض أن قوات فتح تقارب 40000 عنصراً، تمكنت حماس من طرد فتح من جميع معاقلها. أظهر مقاتلو حماس عنفاً ووحشية كبيرين. وجرى إلقاء الناس من أسطحة المباني. اجتاحت حماس المستشفيات وقتلت المرضى والأطباء. وقامت بإعدام عناصر من فتح أمام عائلاتهم. وفي ذلك القتال استولت حماس على كميات كبيرة من الأسلحة التي قدمتها الحكومة المصرية إلى قوات فتح. لم يكن محمد دحلان وغيره من كبار قادة فتح في قطاع غزة عندما بدأ ذلك القتال. وقد اشتكى مقاتلو فتح من أن أحداً لم يعطهم أمراً بالرد على النيران. تردد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يقع مقره في الضفة الغربية، لكنه لم يلبث أن أعطى أمراً بشن هجومٍ مضاد بعد أن ووجه باحتمال تمرد عناصر فتح في الضفة الغربية. لكن انهيار حركة فتح في غزة تواصل من غير توقف. وفي 14 حزيران أقال محمود عباس حكومة الوحدة الوطنية الموجودة في غزة وأعلن عن اعتزامه تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراطيين المستقلين. فر مقاتلو فتح إلى مصر وإسرائيل عن طريق البر والبحر. وأما مقاتلو فتح المطلوبين من قبل السلطات الإسرائيلية فقد فضلوا تسليم أنفسهم لها على مواجهة حماس. تلقت الصحف الإسرائيلية طوفاناً من الفاكسات الواردة من غزة راجية إسرائيل أن تعيد احتلال قطاع غزة من أجل إيقاف المذبحة. وفي الضفة الغربية راحت ميليشيات فتح وقوات الشرطة تعتقل مسؤولي حماس وناشطيها وإرهابييها. عبر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن موقف مساند لمحمود عباس. كما عبر وزراء الخارجية العرب عن دعمهم له لكنهم طالبوا في الوقت عينه بإعادة إنشاء حكومة الوحدة الوطنية. وصرح زعيم حركة حماس المقيم في دمشق خالد مشعل أن حماس لا تعتزم مواجهة الرئاسة الفلسطينية لكن ما قامت به كان ضرورياً من أجل استعادة النظام والتخلص من العناصر المسيئة. وأصرت الدعاية التي تبثها حماس على أن زعماء من فتح، محمد دحلان خاصة، ليسوا إلا خونة متآمرين مع الأمريكيين والإسرائيليين. واعتبر أحد المتحدثين باسم حماس أن ما جرى من عنف كان تطبيقاً "للعدالة الإسلامية". من المرجح أن هذا العنف ما كان ليبدأ من غير موافقة من خالد مشعل؛ ومن المرجح أيضاً أنه أعطى الأوامر بذلك. لكن مشعل واقع تحت سيطرة السوريين الذين يؤوونه، وتحت سيطرة الإيرانيين الذين يقدمون تمويلاً كبيراً لحماس والذين هم من حلفاء سورية.

 شهدت شعبية حماس في غزة تراجعاً حاداً مع تدهور شروط المعيشة بسبب الحصار الإسرائيلي والدولي ولأن المتطرفين راحوا يحاربون مظاهر الثقافة الغربية في غزة. جرى قتل صاحب مكتبة مسيحية. وفي تشرين الثاني تعرضت تظاهرة نظمتها فتح في ذكرى وفاة ياسر عرفات إلى قمع عنيف من قبل قوات الأمن التابعة لحماس التي قتلت سبعة أشخاص وجرحت خمسة وخمسين. ألقت حماس باللائمة في هذا العنف على حركة فتح. واصلت حماس استيراد كميات كبيرة من المتفجرات والأسلحة التي كانت تقوم بتهريبها إلى غزة عبر الأنفاق. اكتشفت قوات الأمن المصرية 60 نفقاً في يومٍ واحد بعد احتجاج إسرائيل على تراخي مصر في مراقبة الحدود. وكانت حماس، وبقية الميليشيات، تطلق على منطقة النقب الغربي ما معدله صاروخ قسام واحد كل ثلاث ساعات في حين كانت إسرائيل تنفذ غارات انتقامية محدودة النطاق وقصفاً صاروخياً يستهدف طواقم إطلاق الصواريخ في غزة، إضافة إلى إغارات ليلية في الضفة الغربية من أجل إلقاء القبض على إرهابيين مطلوبين.

مؤتمر أنابوليس ـ انطلاقاً من قرار القمة العربية تجديد مبادرة السلام العربية ومن الوضع الذي خلقته حماس من خلال استيلائها على السلطة في غزة، واستجابةً لدعوة تقرير "مجموعة دراسة العراق" إلى المضي في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، نظمت الولايات المتحدة قمة في مدينة أنابوليس في الفترة 26 – 28 تشرين الثاني. توقعت تنبؤات كثيرة بفشل هذه القمة. لكن الدول العربية، بما فيها سورية، حضرتها إضافة إلى الأمم المتحدة وممثلين عن مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي وروسيا وجنوب أفريقيا، ودول أخرى. أطلقت إسرائيل سراح أكثر من 400 سجين فلسطيني وزودت السلطات الفلسطينية بمواد الإغاثة. وسمحت إسرائيل أيضاً بنشر شرطة السلطة الفلسطينية في نابلس للحد من الجريمة التي تفشت فيها. اجتمع إيهود أولمرت ومحمود عباس عدة مرات من غير التوصل إلى اتفاق على إعلان مشترك من أجل تلاوته في قمة أنابوليس. تم التوصل إلى الإعلان المشترك في اللحظة الأخيرة بعد ضغوط شديدة مارسها الأمريكيون.

وفر هذا المؤتمر الاعتراف بمحمود عباس زعيماً للفلسطينيين. واتفقت إسرائيل مع الفلسطينيين على تجديد مفاوضات الوضع النهائي مع الإعراب عن الأمل في التوصل إلى اتفاق قبل نهاية عام 2008. وتعهد الطرفان بتطبيق خريطة الطريق بشكل متوازٍ مع قيام الولايات المتحدة بمراقبة التقدم في هذا الصدد. ولم يجر ذكر المشكلة التي تمثلها سيطرة حماس على قطاع غزة.

قام الرئيس الأمريكي جورج بوش بجولة في الشرق الأوسط في كانون الثاني 2008. لكن من الواضح أن جولته هذه فشلت في حشد الدعم لأهداف سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط التي كان من بينها مساندة سلام إسرائيلي فلسطيني يقوم على مفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح. واصلت مصر والسعودية العمل من أجل رأب الصدع بين فتح وحماس؛ وهذا ما من شأنه إنهاء المفاوضات السلمية. لكن الإسرائيليين والفلسطينيين تعهدوا بإجراء مفاوضات جدية بشأن "القضايا الجوهرية" من قبيل قضيتي القدس واللاجئين. وصدرت عن الحكومة الإسرائيلية إعلانات متضاربة فيما يخص تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية وفي أجزاء القدس التي ضمتها إسرائيل بعد حرب الأيام الستة.

ظل النظام الذي تقوده حماس في غزة العائق الأكثر وضوحاً في وجه السلام. وواصل إرهابيو الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية إطلاق صواريخ القسام وقذائف الهاون على بلدة سديروت وغيرها من الأهداف في النقب الغربي؛ كما أطلقوا صاروخ غراد واحد على الأقل على مدينة أشدود. واستمرت إسرائيل في قصف طواقم إطلاق الصواريخ وزعماء مختلف المجموعات المسؤولة عن إطلاق الصواريخ من غزة فقتل بعض المدنيين عن طريق الخطأ. وبعد ذلك انضمت حماس إلى عمليات إطلاق الصواريخ مع تصاعد توتر الأوضاع. قتل قناصون فلسطينيون معلماً متطوعاً اسمه كارلوس شافيز في كيبوتز عين هاشلوشا. وعمدت إسرائيل إلى تقييد السفر من غزة ودخول البضائع إليها وقررت قطع إمدادات الوقود عنها. أدت هذه الخطوات إلى اتهام إسرائيل بممارسة سياسة العقاب الجماعي. وفي 20 كانون الثاني قامت حماس بإيقاف محطة الكهرباء في غزة عن العمل في أعقاب قطع إمدادات الوقود في محاولة لجعل العالم يدين إسرائيل لأن هذه المحطة تنتج نحو 20% من الكهرباء في غزة. لكن من غير الواضح ما إذا كان الوقود في محطة الكهرباء قد نفذ فعلاً. وبعد ثلاثة أيام قامت حماس بتفجير فتحات في الجدار الفاصل بين غزة ورفح بعد أشهر من التحضير جرى خلالها تخريب حديد التسليح فيه، وهذا ما سمح للآلاف من أهالي غزة بدخول مصر بحرية. ومن الواضح أن عدداً من عناصر حماس المسلحين أفلحوا في التسلل إلى سيناء مع جموع الناس التي تدفقت لشراء السلع من رفح. وبعد شيء من التردد قامت مصر بإغلاق الثغرات إغلاقاً جزئياً في 28 كانون الثاني. وفي الأيام اللاحقة تبين أن الحدود لم تعد مغلقة وأن ناشطي حماس أعادوا فتح بعض أجزاء الجدار التي أغلقها المصريون. اعتقلت قوات الأمن المصرية أكثر من عشرة فلسطينيين تسللوا إلى سيناء من أجل تنفيذ هجمات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية فيها.

اقترحت السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس تولي الإشراف على المعابر الحدودية التي هجرها المراقبون الأوروبيون عندما تولت حماس السلطة. وأصرت حماس على حقها في وضع دورياتها على المعابر الحدودية معلنة عن عدم قبولها العودة إلى الوضع السابق الذي كان يسمح للإسرائيليين والأوروبيين بمنع دخول الأسلحة والأموال والمقاتلين الذين تدربوا في إيران وأماكن أخرى. صحيح أن حماس عارضت عودة المراقبين الأوروبيين في البداية لكنها عادت فخففت موقفها بعد عدة أيام.

أعاد المصريون إغلاق الحدود وتواصلت المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى حل يسمح بفتح معبر رفح؛ لكن من غير نتيجة.

قتل عماد مغنية ـ في 13 شباط قتل في دمشق العقل المدبر لإرهاب حزب الله عماد مغنية في تفجير سيارة مفخخة بجانب سيارته. كانت إسرائيل ودول أخرى تعتبر منذ زمن بعيد أن مغنية مسؤول عن تخطيط وتنفيذ عمليات حزب الله الإرهابية بدءاً بالهجمات التي استهدفت مقر قوات المارينز والسفارة الأمريكية في بيروت أوائل الثمانينات، وكذلك الهجوم على المركز اليهودي والسفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس وحوادث اختطاف الجنود الإسرائيليين المتكررة ومن بينها عملية الاختطاف التي أشعلت شرارة حرب 2006 في لبنان. اعتقلت سورية كثيراً من الفلسطينيين. واتهم حزب الله إسرائيل بتدبير عملية الاغتيال. أما إيران التي كانت تنكر منذ زمن طويل أي علاقة لها بعمليات مغنية الإرهابية فقد أعلنت الحداد عليه علناً واتهمت إسرائيل باغتياله. وتوقعت إسرائيل حدوث عمليات انتقامية.

الغارة الإسرائيلية على غزة ـ في 27 شباط 2008 قتلت غارة صاروخية إسرائيلية خمسة من إرهابيي حماس زعمت فيما بعد أنهم كانوا يخططون لتنفيذ عملية إرهابية كبيرة. وفي اليوم التالي ردت حماس بإطلاق 30 صاروخاً وصل بعضها حتى عسقلان وقتل أحدها طالباً في كلية سابير في النقب الغربي. كان من بين هذه الصواريخ عدد من صواريخ غراد إيرانية الصنع، وهي نسخة من صواريخ الكاتيوشا. بدأت إسرائيل في 29 شباط حملة واسعة النطاق استمرت عدة أيام وقتلت أكثر من 100 فلسطيني. زعمت إسرائيل أن عشرة مدنيين فقط قتلوا في غزة؛ أما حماس فقالت إن أكثر قتلى الغارة كانوا مدنيين. وقبيل زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى المنطقة، دعت الولايات المتحدة إلى وقف العنف. انتهى الهجوم الإسرائيلي يوم 3 آذار رغم أن الجيش الدفاع الإسرائيلي كان يعتزم المضي فيه. علق الرئيس الفلسطيني محمود عباس المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، لكنها استؤنفت في 5 آذار. أعلنت حماس أنها انتصرت. ورغم تواتر الإشاعات عن "هدنة" وعن مفاوضات من أجل الهدنة في شهر آذار، واصلت الصواريخ الفلسطينية استهداف النقب الغربي وواصلت إسرائيل قتل الفلسطينيين. أما إغارات إسرائيل في الضفة الغربية فكادت تتوقف تماماً رغم وقوع هجوم إرهابي استهدف ييشيفات مركز هاراف في القدس يوم 6 آذار أقدم فيه مسلح فلسطيني من حي جبل المكبر في القدس على قتل ثمانية من طلبة المدرسة الدينية. ادعت حماس مسؤوليتها عن هذا الهجوم لكنها عادت فأنكرتها في وقتٍ لاحق.

وبعد دعوات ملحة من جانب وزيرة الخارجية الأمريكية تم استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. قال عباس إن الجانبين يناقشان القضايا الجوهرية، من قبيل مستقبل مدينة القدس مثلاً؛ لكن أي تفاصيل عن هذه المفاوضات لم تنشر. أعلنت إسرائيل عن عقود لبناء منازل للمستوطنين في حي هارشوما في القدس الشرقية وفي عدة مناطق أخرى في الضفة الغربية مما أغضب الفلسطينيين. تلا هذا الإعلان عدد من الإعلانات المتضاربة التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين بشأن سياسات توسيع الاستيطان. وفي شهر نيسان، أزالت إسرائيل عدداً من حواجز الطرق في الضفة الغربية وسمحت للقوات الفلسطينية بدخول مدينة جنين.

الهدنة ـ أفضت مفاوضات مكثفة غير مباشرة برعاية مصرية إلى هدنة بين إسرائيل وحماس بدأ تنفيذها في 19 حزيران. سرت هذه الهدنة على قطاع غزة فقط دون أن تشمل الضفة الغربية. وبموجب الهدنة تمتنع إسرائيل عن تنفيذ هجمات داخل غزة في حين تمتنع حماس والفصائل الأخرى عن إطلاق الصواريخ وشن الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل. زعمت إسرائيل أن الهدنة تشمل تهريب الأسلحة، لكن حماس أنكرت ذلك. ورغم وقوع عدد من حوادث إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من جانب الفلسطينيين فقد بدت الهدنة صامدة، في البداية على الأقل. اعتقلت حماس ناطقاً باسم كتائب شهداء الأقصى بعد أن زعمت تلك الجماعة مسؤوليتها عن إحدى الهجمات. وعمدت إسرائيل، دون ضجة، إلى تخفيف إغاراتها واعتقالاتها في الضفة الغربية بعد أن صارت هذه الهجمات الإسرائيلية تثير هجمات انتقامية في غزة. وتواصلت بعد سريان الهدنة المفاوضات الرامية إلى الإفراج عن الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط. ظلت الهدنة صامدة رغم حوادث عرضية لإطلاق صواريخ القسام وقذائف الهاون، لكن أمل إسرائيل في الإفراج عن جلعاد شاليط لم يتحقق.

وفي 29 حزيران وافقت الحكومة الإسرائيلية على صفقة تفرج بموجبها عن الإرهابي المحكوم سمير قنطار وعدد من السجناء اللبنانيين والفلسطينيين مقابل جثتي إلداد ريغيف وإيهود غولدواسر اللذين كان اختطافهما الشرارة التي نتجت عنها حرب لبنان الثانية. وفي إسرائيل أعلن رئيس حزب العمل إيهود باراك أن حزبه سينسحب من الحكومة الائتلافية إذا لم يغير حزب كاديما رئيسه إيهود أولمرت، وذلك بعد مزاعم متكررة بالفساد. وفي 17 أيلول 2008 فازت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بزعامة حزب كاديما وعندما أعلنت ليفني في 26 تشرين الأول أنها غير قادرة على تشكيل حكومة ائتلافية تقرر إجراء انتخابات جديدة في 10 شباط 2009.

وفي مساء 4 تشرين الثاني نفذ جيش الدفاع الإسرائيلي توغلاً كبيراً في غزة من أجل تدمير نفق قيل إن الفلسطينيين يحفرونه من غزة إلى إسرائيل. قتل في هذا التوغل ستة مسلحين من حماس. وفي الأيام التالية ردت حماس والفصائل الأخرى بإطلاق نحو 35 صاروخ غراد (من عيار أكبر) على سديروت وعسقلان فرد جيش الدفاع الإسرائيلي بتوغلٍ استهدف خان يونس.

وفي 9 تشرين الثاني عقد اجتماع للجنة الرباعية في شرم الشيخ من أجل تأكيد دعم المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ضمن إطار عملية أنابوليس وخطة الطريق. عبر الجانبان عن مساندتهما هذه العملية. ألغت حماس مشاركتها في اجتماع من أجل المصالحة الفلسطينية كان مقرراً عقده في القاهرة خلال الأسبوع نفسه.

واصلت حماس والفصائل التابعة لها إطلاق الصواريخ على إسرائيل وأعلنت أنها تعتزم عدم تجديد اتفاق التهدئة في 19 كانون الأول. كانت مفاوضات التهدئة قد جرت في 19 حزيران 2008. وفي النهاية أعلنت حماس أنها تقبل استمرار التهدئة ستة أشهر فقط. زعمت الأخبار أن قيادة حماسة لغزة تريد تجديد التهدئة لكن زعيم حماس في المنفى خالد مشعل، الخاضع لسورية وإيران، رفض قبول ذلك. لجأت إسرائيل إلى المصريين وإلى الأمم المتحدة طالبة وضع حد لإطلاق الصواريخ. وفي 24 كانون الأول قصفت حماس إسرائيل بنحو 60 صاروخاً وقذيفة هاون. بدأت إسرائيل عملية "أوفريت ييتزوكا" يوم 26 كانون الأول. وخلال ساعات من صباح يوم السبت وحده نفذ جيش الدفاع الإسرائيلي نحو 100 إغارة دمر فيها مخازن أسلحة ومصانع أسلحة وأنفاق تهريب ومنصات إطلاق صواريخ، إضافة إلى مراكز قيادة حماس في غزة. قتل نحو 225 فلسطينياً ثم ازداد الرقم فبلغ 300 قتيلاً خلال بضعة أيام. تزعم تقديرات الأمم المتحدة أن من بين القتلى زهاء 51 مدنياً. أما مصادر حماس فتقول إن 155 شخصاً ممن قتلوا في الهجوم الأصلي كانوا مدنيين. وقع كثير من الإصابات في صفوف متدربي "شرطة" حماس أثناء حفلٍ لتخريجهم. زعمت إسرائيل أن حماس تعمدت استخدام الدروع البشرية؛ وأشارت برامج تلفزيون حماس إلى فخر حماس باستخدام المدنيين دروعاً. ردت حماس على الغارات الجوية المتواصلة بإطلاق صواريخ غراد التي وصلت هذه المرة حتى بئر السبع ويافني (45 كم). قتلت هجمات حماس 3 إسرائيليين حتى نهاية العام. أما حصيلة القتلى بين الفلسطينيين فناهزت 400 قتيل. رفضت حماس الكف عن إطلاق الصواريخ وراحت إسرائيل تستعد لشن عملية برية في غزة. ثم أصدر مجلس الأمن الدولي بياناً في 28 كانون الأول دعا فيه الجانبين إلى وقف العنف، لكن اعتراض الولايات المتحدة حال دون إصدار مجلس الأمن قراراً ملزماً بوقف إطلاق النار.

انتهت أعمال القتال الرئيسية يوم 18 كانون الثاني عندما أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد ثم حذت حماس حذوها فأعلنت وقف إطلاق النار من جانبها. قتل زهاء 1300 فلسطيني؛ وقتل 13 مواطن إسرائيلي. زعمت إسرائيل أن أكثر المصابين الفلسطينيين كانوا مقاتلين في حين زعم الفلسطينيون أن أكثرهم مدنيون. وتحدثت جماعات حقوق الإنسان عن أعدادٍ كبيرة من القتلى الأطفال، لكن إسرائيل زعمت أن كثيراً من "الأطفال" الذين تحدثت عنهم هذه التقارير هم في الواقع مقاتلون راشدون من حركة حماس. لكن إسرائيل لم تنشر أي قائمة علنية بالإصابات. لم تكن نتائج هذه العملية حاسمة. حققت إسرائيل نصراً عسكرياً بكلفةٍ منخفضة نسبياً من جانبها، لكن مشكلات حكم حماس في غزة والجندي المختطف جلعاد شاليط واستمرار تدفق الأسلحة المهربة إلى غزة عبر الأنفاق ظلت كلها من غير حل، مبدئياً على الأقل. استمر إطلاق الصواريخ واستمرت الردود الانتقامية حتى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في 10 شباط 2009.

أعطى الناخبون الإسرائيليون الأغلبية البرلمانية لأحزاب اليمين. وشكل بنيامين نتنياهو حكومة ضمت حزب الليكود الذي يتزعمه وحزب العمل الإسرائيلي وحزب إسرائيل بيتنا اليميني، إضافة إلى أحزاب دينية. رفض حزب كاديما الانضمام إلى الحكومة. والظاهر أن رفضه جاء بسبب عدم قبول الليكود العودة إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عن طريق إقامة دولتين. وفي 4 حزيران 2009 ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما كلمة تاريخية موجهة إلى المسلمين والعالم العربي دعا فيها الفلسطينيين إلى نبذ العنف ودعا العرب إلى الاعتراف في حق إسرائيل في الوجود مكرراً دعم الولايات المتحدة حل الدولتين وداعياً إلى إنهاء بناء المستوطنات (انظر خطاب الرئيس أوباما في القاهرة يوم 4 حزيران 2009). استجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لكلمة أوباما يوم 14 حزيران فأعلن تأييد إسرائيل الحل القائم على الدولتين وتعهد بألا تقوم إسرائيل بإنشاء مستوطنات جديدة أو بمصادرة أراضٍ جديدة لصالح المستوطنين؛ لكنه أعلن أيضاً استمرار بناء وحدات سكنية في المستوطنات من أجل ما أطلق عليه اسم "النمو الطبيعي".

آمي إيسيروف

حقوق النشر (2001 – 2009 MidEastWeb for Coexistence RA

تاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الجزء الأول

Translated from  ترجم من :

History of Israel & Palestine Part II - Since the Oslo Accords 

In French :Une brève histoire d'Israël, de la Palestine et du conflit