Mideastweb: Middle East

جناح الطيارين

 
Middle East news water books newsletter culture dialog links maps contact donations

جناح الطيارين

أبو سلام العربي

خدمت كمُلَازِم اِحْتِيَاطِيّ في جيش عربيّ أثناء حرب 1973. وكانت خدمتي في مستشفى عسكريّ كبير. وقد خصص الجناح المجاور للطيارين الإسرائيليين المجروحين الذين أسقطت طائراتهم بواسطة صواريخ الدفاع الجوي. قذف العديد منهم أنفسهم من طائراتهم قبل أن تُضْرَبُ بواسطة السام بثوان قليلة. إصاباتهم الرئيسيّة لم تَكُنْ بسبب من عملية القذف أو الارتطام بالأرض.  كَانَتْ أكثر إصاباتهم بِسبب السلوك القاسي للناس الذين أَسَروَهم.

كان يحَرَسَ الجناح عناصر من القوّات الجوية. وكان يعتني بهم أَطِبَّاء مُختارون وممرضات جميلات بشكل ملفت للنظر. كَانَ ممثّلو الصليب الأحمر متواجدين أحيانا وكذلك مراسلون صحفيّون ومُصوّرون من رويتر،واسوشياتيد بريس، و وكالات أنباء أخرى.

أحد الضباط من رتبة عالية اُسْتُضِيفَ في غرفة منفصلة اِستنادا إلى اتفاقية جنيف حول أسرى الحرب.

كنت واقفا في إحدى الليالي في الحديقة أَتَمَتَّعَ بنسمات أكتوبر الباردة. وكَانَ قسم الجِرَاحَة في مستوى أعلى في فناء المستشفى. كان المستشفى نفسه يَشْتَمِلُ على عدّة أبنية منفصلة مقامة على عدّة مستويات يفصل بينها حدائق وأدراج.

بينما كُنْتُ أحدق هناك في العتمة،تميزت أربعة ممرضين باللباس الميداني يَحْمِلونُ مَريضا على نقالة ويَنْزلونُ أدراج الحديقّة بسرعة. كَانُوا يَتَوَجَّهُونَ نحو المكان الذي كنت أقف فيه. فجأة وَقَّفُوا ووَضَعُوا النقالة على الأرض عند استراحة الدرج وبَدَأَ أحدهم يَرْكُلُ ويبصق على المَرِيض. ووقف الممرضون الثلاثة الآخرون يشاهدون المنظر.

جريت بسرعة إلى الأعلى فوجدت في النقالة شابا عاريا بترت إحدى ساقيه جراحيا وغطيت بالضمادات. كَانَ نائما لكن يَرْتَجِفُ من البرد نتيجة تأثير المخدر الجراحيّ.

صَرَخْتُ فيهم، "لماذا توقفتم هنا؟”

قَالُوا،" لنَنَال بعض الاِستراحة لِأنّه ثقيل.

ثمّ قُلْتُ للممرض الّذي كَانَ يَرْكُلُ و يَلْعَنُ المَريض،" توقف! ماذا تَفْعَلُ؟”

فتَوَقَّفَ لكنه قُال،" سيّدي نعم، لكن هو عدوّ، طيار إسرائيلي . لقد قَصَفُونا. "

قُلْتُ،" ولو كان! إنه أسير حرب، جُنْدِيّ مثلكَ و هو إنسان عاجز و مجروح. هل هذه بطولة؟. هل هذه أَخْلاق العرَب و المُسْلِمين؟"  لم يَقُلْ أحد كلمة.  كَانَ الطيار وسيما أبيض اللون، طويلا، رياضيّ الجسم. قُلْتُ،" لماذا لم تغطوه ببَطّانِيَّة؟” فلم يَرد أحد.  قُلْتُ، "أُسْرِعواُ. خُذوْه إلى جناح الطيارين."  ففَعَلُوا. ودَخَلْنَا غرفة صغيرة تمثل منطقة الاستقبال والتسجيل للجناح. ثم رَمَوْه على مضجع الفحص و أَخَذُوا النقالة و انصرفوا مسرعين. وظل المريض يرتعش من البرد.

نَظَرْتُ إلى الحُرَّاس و قُلْتُ:"أرسلوا شخصا ليحْضِرُ بَطّانِيَّة صوفيّة".  لم يَتَحَرَّكْ أحد. أسرعت خارجا من الغرفة وأنا جدّ غاضب.  فَتَحْتُ باب جناح قريب محجوز لأَطِبَّاء مقيمين من كلّية الطب في المدينة.  نَشِلتُ بَطّانِيّة من فراش و عدت ثانيةً و بَدَأْتُ أُغَطِّيَ الطيار.

قَالَ حارس،"دعني أساعدك يا سيّدي". وتركته يغطي الطيار. فتوقف جسمه عن الارتجاف.

حارس آخر قال "إنه لا يَسْتَحِقّ ذلك يا سيّدي، فهو عدوّ  مجرم. "

قُلْتُ له،" هو إنسان، جُنْدِيّ يُطِيعُ أوامر رؤسائه. إنه أسير حرب و نَرْيده حياّ لكي نقايض به أسرانا. ولو أردناه ميتا لما كنا أسعفناه وأجْرِيناَ عَمَلِيَّة جِراحيّة له لتجنّبه من الغنغرينا في ساقه". مَشَيْتُ خارج الغرفة عندما دَخَلَتْ ممرضة كي تُسَجِّلَ الضيف الجديد و تدعه يلتحق برفاقه في الجناح.  لم أَعْرِفْ و لم أَسْأَلْ كم كان عددهم هناك.

جَلَسْتُ في الحديقة لكي أهدئ من مشاعري.  أَتَذَكَّرُ شخصا واحد كَانَ يُرَاقِبُنا يقُولُ:"باركك الله يا سيدي”.

بعد بضعة أيّام كُنْتُ في المكان نفسه عندما سَمِعْتُ بكاء طِفْل و صياح امرأة. شَاهَدْتُ ممرضة تحمل ولدا عمره سنتان. كَانَتْ مكلّفة بخدمة كولونيل طيار إسرائيلي جريح في غرفته الخاصّة. قلت لها اهدئي ففَعَلَتْ، لكن الطفل حافظ على بكائه مع كثير من الدَموْع و كان يمط يداه مشيرا نحو غرفة الكولونيل.

كَانَتْ عزباء و كَانَ الطفل ابن أختها.  كَانَ أبواه موظّفين في مصنع ذَخَائر حَرْبِيَّة.  كان عندهم حضانة أطفال في المعمل هناك لكن كَانُت مغلقة أثناء الحرب واقترحت خالته عليهما انه من الأفضل أن يظل معها في المستشفى حيث يمكن أن يتلقى العناية الصحّة، والأمن، و الغذاء. كَانَتْ تَعْتَنِي بالكولونيل و تعود الطِفْل أن يَرْاه يوميا.

في ذلك اليوم، عندما كَانَتْ تغير أغطية سرير الكولونيل كان الكولونيل سعيدا جدا برؤية الطفل وصار يبتسم له ويداعبه ويسليه. وعندما أَنْهَتْ عملها الروتينيّ رَغِبَتْ أن تَأْخُذَ الطفل خارج الغرفة.  رَفَضَ الطِفْل أن يَخْرُجَ و رَغِبَ أن يَمْكُثَ مع الكولونيل. عندما حاولت سحبه من ذراعي الكولونيل بَدَأَ الولد يَبْكِيَ و ضم ذراعيه بإحكام شديد حول عنق الكولونيل. أما الكولونيل فعندما شَاهَدَ سلوك الطِفْل، ضمّه بقوة و توسل إلى الممرضة أن تتركه معه لبضع دقائق أخرى. لكنها رَفَضَتْ و رَاحتْ تشد بعنف ذراعي الطفل.  بَدَأَ الكولونيل يَبْكِيَ وهو يُقَبِّلُ خدود الطِفْل. وبَدَأَتْ هي أيضا تَبْكِيَ و تَتوسل إليه أن يفْرِجَ عن الطِفْل سَمِعَ الحُرَّاس البكاء الثلاثي و أَسْرَعُوا إلى الغرفة و سَاعَدُوها أن تَخْرُجَ الطفل. أَغْلَقُوا الباب مرّة ثانية و تَرَكُوا الكولونيل يبكي لوحده. عندما أَنْهَتْ حكايتها قُلْتُ لها، "لماذا لا تَتركيه عنده لفترة قصيرة؟” فقَالَتْ، "ربّما قد يكون ذلك خَطرا على حياة الطِفْل".  عَرَفْتُ أنّها كَانَتْ تَكذب مشاعرها.  لم أَرْدْ لكنني أَحْسَسْتُ بالاشمئزاز. بعْد ما ذهبت بعيداً مع الطِفْل بكيت بصمت لعدة دقائق.

مرت ممرضات أخرى بجانبي ورَأَين الدَمْع في عيني ولا بد أنهن ظنن أنّني فقدتُ أشخاصا أعزاء لي في الحرب. وكان هذا هو شعوري فعلا.

 للتعليق على هذه القصة أرجو أن ترسلوا رسائلكم على العنوان التالي  .

If you like what you see here
Please click here to tell your friends about this Web Site

Please Link to Us

Copyright 2003,  MidEastWeb for Coexistence RA.

All original materials at MidEastWeb are copyright by MidEastWeb and the authors. Please tell your friends about MidEastWeb. Please forward these materials in e-mails to friends and link to this URL - http://www.mideastweb.org. You can print out materials for your own use or classroom use, giving the URL of  MidEastWeb. For pages marked Copyright, printed material should bear this notice:

"Copyright by MidEastWeb for Coexistence R.A. All rights Reserved."

Reproduction in any other form - by permission only. Please do not copy materials from this Web site to your Web site.

Bibliography of the Israel/Palestine Conflict, and History of Palestine/Israel.

Subscribe to the MidEastWeb Newsletter    Learn More
Subscribe to the MEW e-dialog list   Learn More

Subscribe to MideastWeb News e-news Service   Learn More

 

شرق الأوسط – أخبار صراع الشرق الأوسط، تاريخ، خرائط، مصادر، حوار، تعليم السلام

Middle East Gateway

ليهود، الديانة اليهودية، العداء للسامية، التلمود، والصهيونية

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في كبسولة

 

المسرح العربي اليهودي نيماشيم

أولاد سلام إنجليزي